فأما قوله (عليه السلام): " أطلق عن الناس عقدة كل حقد " فقد استوفى هذا المعنى زياد في خطبته البتراء فقال: وقد كانت بيني وبين أقوام إحن (1)، وقد جعلت ذلك دبر أذني وتحت قدمي فمن كان منكم محسنا فليزدد إحسانا ومن كان منكم مسيئا فلينزع عن إساءته، إني لو علمت أن أحدكم قد قتله السلال (2) من بغضي لم أكشف عنه قناعا، ولم أهتك له سترا، حتى يبدي لي صفحته، فإذا فعل لم أناظره، ألا فليشمل كل امرئ منكم على ما في صدره، ولا يكونن لسانه شفرة تجرى على ودجه.
[فصل في النهى عن سماع السعاية وما ورد في ذلك من الآثار] فأما قوله عليه السلام: " ولا تعجلن إلى تصديق ساع " فقد ورد في هذا المعنى كلام حسن، قال ذو الرياستين: قبول السعاية شر من السعاية لان السعاية دلالة، والقبول إجازة، وليس من دل على شئ كمن قبله وأجازه، فأمقت الساعي على سعايته، فإنه لو كان صادقا كان لئيما، إذ هتك العورة، وأضاع الحرمة.
وعاتب مصعب بن الزبير الأحنف على أمر بلغه عنه فأنكره فقال مصعب: أخبرني به الثقة، قال كلا أيها الأمير، أن الثقة لا يبلغ.
وكان يقال: لو لم يكن من عيب الساعي إلا أنه أصدق ما يكون أضر ما يكون على الناس لكان كافيا.
كانت الأكاسرة لا تأذن لأحد أن يطبخ السكباج (3)، وكان ذلك مما يختص به الملك، فرفع ساع إلى أنوشروان: إن فلانا دعانا ونحن جماعه إلى طعام له وفيه .