أحدها: أن أمره (عليه السلام) بذلك لابد أن يكون مشروطا بالمصلحة، وألا يعرض ما هو أهم من نفوذ الجيش، لأنه لا يجوز أن يأمرهم بالنفوذ وإن أعقب ضررا في الدين، فأما قول المرتضى: الامر المطلق يدل على ثبوت المصلحة، ولا يجوز أن يجعل الامر المطلق، فقول جيد إذا اعترض به على الوجه الذي أورده قاضي القضاة، فأما إذا أورده أصحابنا على وجه آخر فإنه يندفع كلام المرتضى، وذلك أنه يجوز تخصيص عمومات النصوص بالقياس الجلي عند كثير من أصحابنا، على ما هو مذكور في أصول الفقه، فلم لا يجوز لأبي بكر أن يخص عموم قوله: " أنفذوا بعث أسامة " لمصلحة غلبت على ظنه في عدم نفوذه نفسه، ولمفسدة غلبت على نفسه (1) في نفوذه نفسه مع البعث!
وثانيها: أنه (عليه السلام) كان يبعث السرايا عن اجتهاد لا عن وحى يحرم مخالفته.
فأما قول المرتضى: إن للدين تعلقا قويا بأمثال ذلك (2)، وإنها ليست من الأمور الدنياوية المحضة نحو أكله شربه ونومه، فإنه يعود على الاسلام بفتوحه عز وقوة وعلو كلمة فيقال له: وإذا أكل اللحم وقوى مزاجه بذلك ونام نوما طبيعيا يزول عنه به المرض والإعياء، اقتضى ذلك أيضا عز الاسلام وقوته، فقل إن ذلك أيضا عن وحى.
ثم إن الذي يقتضيه فتوحه وغزواته وحروبه من العز وعلو الكلمة لا ينافي كون تلك الغزوات والحروب باجتهاده، لأنه لا منافاة بين اجتهاده وبين عز الدين وعلو كلمته بحروبه، وأن الذي ينافي اجتهاده بالرأي هو مثل فرائض الصلوات ومقادير الزكوات ومناسك الحج، ونحو ذلك من الاحكام التي تشعر بأنها متلقاة من محض الوحي، وليس للرأي والاجتهاد فيها مدخل، وقد خرج بهذا الكلام الجواب عن قوله: