هناك فتنة ولا تنازع ولا اختلاف يحتاج فيه إلى مشاورته وتدبيره! وكل هذا تعلل باطل.
فأما محاربة أمير المؤمنين (عليه السلام) معاوية فإنما كان مأمورا بها مع التمكن ووجود الأنصار، وقد فعل (عليه السلام) من ذلك ما وجب عليه لما تمكن منه، فأما مع التعذر وفقد الأنصار فما كان مأمورا بها. وليس كذلك القول في جيش أسامة، لان تأخر من تأخر عنه كان مع القدرة التمكن. فأما تولية أبى موسى فلا ندري كيف يشبه ما نحن فيه، لأنه إنما ولاه بأن يرجع إلى كتاب الله تعالى فيحكم وفى خصمه بما يقتضيه، وأبو موسى فعل خلاف ما جعل إليه، فلم يكن ممتثلا لأمر من ولاه، وكذلك خالد ابن الوليد إنما خالف ما أمره به الرسول (صلى الله عليه وآله) فتبرأ من فعله، وكل هذا لا يشبه أمره (عليه السلام) بتنفيذ جيش أسامة أمرا مطلقا، وتأكيده ذلك وتكراره له، فأما جيش أسامة فإنه لم يضم من يصلح للإمامة، فيجوز تأخرهم ليختار أحدهم على ما ظنه صاحب الكتاب. على أن ذلك لو صح أيضا لم يكن عذرا في التأخر: لان من خرج في الجيش يمكن أن يختار وإن كان بعيدا، ولا يمنع بعده من صحة الاختيار، وقد صرح صاحب الكتاب بذلك. ثم لو صح هذا العذر لكان عذرا في التأخر قبل العقد، فأما بعد إبرامه فلا عذر فيه، والمعاضدة التي ادعاها قد بينا ما فيها.
فأما ادعاء (1) صاحب الكتاب رادا على من جعل إخراج القوم في الجيش ليتم أمر النص أن من أبعدهم لا يمنع أن يختاروا للإمامة فيدل على أنه لم يتبين معنى هذا الطعن على حقيقته، لان الطاعن به لا يقول إنه أبعدهم لئلا يختاروا للإمامة، وإنما يقول: إنه أبعدهم حتى ينتصب بعده في الأرض من نص عليه، ولا يكون هناك من ينازعه ويخالفه.