وأما ما أنكره المرتضى من حال عباد بن سليمان ودفعه أن يكون على أخذ براءة من أبى بكر واستغرابه ذلك عجب، فإن قول عباد قد ذهب إليه كثير من الناس، ورووا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يدفع براءة إلى أبى بكر، وأنه بعد أن نفذ أبو بكر بالحجيج أتبعه عليا ومعه تسع آيات من براءة، وقد أمره أن يقرأها على الناس ويؤذنهم بنقض العهد وقطع الدنية، فانصرف أبو بكر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأعاده على الحجيج، وقال له: أنت الأمير، وعلى المبلغ، فإنه يبلغ عنى إلا أنا أو رجل منى، ولم ينكر عباد أمر براءة بالكلية، وإنما أنكر أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله) دفعها إلى أبى بكر ثم انتزعها، منه وطائفة عظيمة من المحدثين يروون ما ذكرناه، وإن كان الأكثر الأظهر أنه دفعها إليه ثم أتبعه بعلي (عليه السلام) فانتزعها منه، والمقصود أن المرتضى قد تعجب مما لا يتعجب من مثله، فظن أن عبادا أنكر حديث براءة بالكلية، وقد وقفت أنا على ما ذكره عباد في هذه القضية في كتابه المعروف بكتاب " الأبواب "، وهو الكتاب الذي نقضه شيخنا أبو هاشم، فأما عذر شيخنا أبى على، وقوله: إن عادة العرب ذلك، واعتراض المرتضى عليه، فالذي قاله المرتضى أصح وأظهر، وما نسب إلى عادة العرب غير معروف، وإنما هو تأويل تأول به متعصبو أبى بكر لانتزاع براءة منه، وليس بشئ. ولست أقول ما قاله المرتضى من أن غرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) إظهار أن أبا بكر لا يصلح للأداء عنه بل أقول: فعل ذلك لمصلحة رآها، ولعل السبب في ذلك أن عليا (عليه السلام) من بنى عبد مناف وهم جمرة قريش بمكة، وعلى أيضا شجاع لا يقام له (1)، وقد حصل في صدور قريش منه الهيبة الشديدة والمخافة العظيمة فإذا حصل مثل هذا الشجاع البطل وحوله من بنى عمه وهم أهل العزة والقوة والحمية
(٢٠٠)