رواية الشيخين ومعناه أنه كان يسترخي أحد جانبي إزاره إذا تحرك يمشي أو غيره بغير اختياره فإذا كان محافظا عليه لا يسترخي لأنه كلما كاد يسترخي شده (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك (لست ممن يفعله خيلاء) قال القاري: المعنى أن استرخاءه من غير قصد لا يضر لا سيما ممن لا يكون من شيمته الخيلاء ولكن الأفضل هو المتابعة وبه يظهر أن سبب الحرمة في جر الإزار هو الخيلاء كما هو مقيد في الشرطية من الحديث المصدر به انتهى.
والحديث يدل على تحريم جر الثوب خيلاء والمراد بجره هو جره على وجه الأرض وهو الموافق لقوله صلى الله عليه وسلم: " ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار كما سيأتي. وظاهر الحديث أن الإسبال محرم على الرجال والنساء لما في صيغة من في قوله من جر من العموم ولكنه قد أجمع المسلمون على جواز الإسبال للنساء كما صرح بذلك ابن رسلان في شرح السنن. وظاهر التقييد بقوله خيلاء يدل بمفهومه أن جر الثوب لغير الخيلاء لا يكون داخلا في هذا الوعيد. قال ابن عبد البر: مفهومه أن الجار لغير الخيلاء لا يلحقه الوعيد إلا أنه مذموم وقال النووي لا يجوز الإسبال تحت الكعبين إن كان للخيلاء، فإن كان لغيرها فهو مكروه.
قال ابن العربي: لا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبه ويقول لا أجره خيلاء لأن النهي قد تناوله لفظا ولا يجوز تناوله لفظا أن يخالفه إذ صار حكمه أن يقول لا أمتثله لأن تلك العلة ليست في فإنها دعوى غير مسلمة، بل إطالة ذيله دالة على تكبره انتهى. وحاصله أن الإسبال يستلزم جر الثوب وجر الثوب يستلزم الخيلاء ولو لم يقصده اللابس. ويدل على عدم اعتبار التقييد بالخيلاء قوله صلى الله عليه وسلم: " إياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة " كما سبق في حديث جابر بن سليم وحديث أبي أمامة قال: " بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لحلقنا عمرو بن زرارة الأنصاري في حلة إزار ورداء قد أسبل فجعل رسول الله صلى عليه وسلم يأخذ بناحية ثوبه ويتواضع لله عز وجل ويقول عبدك وابن عبدك وأمتك حتى سمعها عمرو فقال يا رسول الله إني أحمش الساقين، فقال يا عمرو إن الله تعالى أحسن كل شئ خلقه يا عمرو إن الله لا يحب المسبل " أخرجه الطبراني ورجاله ثقات. قال الشوكاني في النيل إن قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر " إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء " تصريح بأن مناط التحريم الخيلاء وأن الإسبال قد يكون للخيلاء وقد يكون لغيره، فلا بد من حمل قوله فإنها من المخيلة في حديث جابر بن سليم على أنه خرج مخرج الغالب، فيكون الوعيد المذكور في حديث ابن عمر متوجها إلى من فعل ذلك اختيالا. والقول بأن كل إسبال من المخيلة أخذا بظاهر حديث جابر ترده الضرورة، فإن كل أحد يعلم أن من الناس من يسبل إزاره مع عدم خطور الخيلاء بباله، ويرده ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر لما عرفت، وبهذا يحصل الجمع بين الأحاديث وعدم إهدار قيد الخيلاء المصرح به في الصحيحين قال وأما حديث أبي أمامة فغاية ما فيه التصريح بأن الله لا يحب المسبل وحديث ابن عمر مقيد