أما استدلالهم بالنوع الأول أعني الأحاديث التي وردت في تحريم لبس المصبوغ بالعصفر فغير صحيح، لأن تلك الأحاديث أخص من الدعوى، وقد عرفت فيما سبق أن الحق أن المصبوغ بالعصفر لا يحل لبسه.
وأما النوع الثاني فمنه حديث عبد الله بن عمرو وحديث رافع بن خديج، وحديث حريث بن الإبج وهذه الأحاديث الثلاثة تقدمت في باب الحمرة، وقد عرفت أن واحدا منها لا يصلح للاحتجاج لما في أسانيدها من المقال الذي ذكرنا ومنه ما في صحيح البخاري وغيره من النهي عن المياثر الحمر، ولكنه لا يخفى عليك أن هذا الدليل أخص من الدعوى، وغاية ما في ذلك تحريم الميثر الحمراء فما الدليل على تحريم ما عداها مع ثبوت لبس النبي صلى الله عليه وسلم للحلة الحمراء) في غير مرة ومنه حديث رافع بن برد أو رافع بن خديج بلفظ: " إن الشيطان يحب الحمرة فإياكم والحمرة " الحديث أخرجه الحاكم في الكنى وأبو نعيم في المعرفة وغيرهما، والحديث على ما قال الشوكاني ضعيف لا يصلح للحجية.
وقد بسط في النيل في عدم حجيته رواية ودراية فليراجع إليه قال وقد زعم شمس الدين ابن القيم أن الحلة الحمراء بردان يمانيان منسوجان بخطوط حمر مع الأسود وغلط من قال أنها كانت حمراء بحتا قال وهي معروفة بهذا الاسم ولا يخفاك أن الصحابي قد وصفها بأنها حمراء وهو من أهل اللسان، والواجب الحمل على المعنى الحقيقي وهو الحمراء البحت، والمصير إلى المجاز أعني كون بعضها أحمر دون بعض لا يحمل ذلك الوصف عليه إلا لموجب فإن أراد أن ذلك معنى الحلة الحمراء لغة فليس في كتب اللغة ما يشهد لذلك، وإن أراد أن ذلك حقيقة شرعية فيها فالحقائق الشرعية لا تثبت بمجرد الدعوى، والواجب حمل مقالة ذلك الصحابي على لغة العرب لأنها لسانه ولسان قومه انتهى. وقد أطال الكلام في هذه المسألة الحافظ الناقد ابن حجر في فتح الباري والعلامة العيني في عمدة القاري. والصواب أن لبس الثوب المشبع بالحمرة يكره للرجال دون ما كان صبغه خفيفا والله أعلم. وحديث هلال بن عامر عن أبيه.
قال المنذري اختلف في إسناده، فقيل انفرد بحديثه أبو معاوية، الضرير وقيل إنه أخطأ فيه لأن يعلى بن عبيد قال فيه عن هلال بن عمرو عن أبيه، وصوب بعضهم الأول. وعمرو هذا هو ابن رافع المزني مذكور في الصحابة وذكر له هذا الحديث، وقال بعضهم فيه عن عمرو بن أبي رافع عن أبيه.