المراد بالنهي الهيئة المخصوصة لا المرة الواحدة من اللبس (أن يحتبي الرجل) الاحتباء أن يقعد على أليتيه وينصب ساقيه ويلف عليه ثوبا ويقال له الحبوة وكانت من شأن العرب (مفضيا بفرجه إلى السماء) أي لم يكن بين فرجه وبين السماء شئ يواريه، فالنهي عن الاحتباء إنما هو بقيد كشف الفرج وإلا فهو جائز (ويلبس ثوبه الخ) عطف على قوله يحتبي وهذا هو اللبسة الثانية وهو الصماء، والمعنى ويلبس الرجل ثوبه ويلقيه على أحد عاتقيه فيخرج أحد جانبيه عن الثوب ويبدو. وجاء تفسير الصماء في رواية البخاري بلفظ: " والصماء أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب ".
قال المنذري: وقد أخرج البخاري والنسائي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اشتمال الصماء وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد وليس على فرجه منه شئ " (عن جابر) هو ابن عبد الله رضي الله عنهما (عن الصماء) قال أهل اللغة: هو أن يجلل جسده بالثوب لا يرفع منه جانبا ولا يبقى ما يخرج منه يده. قال ابن قتيبة سميت صماء لأنه يسد المنافذ كلها فتصير كالصخرة الصماء التي ليس فيها خرق. وقال الفقهاء: هو أن يلتحف بالثوب ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبيه فيصير فرجه باديا.
قال النووي: فعلى تفسير أهل اللغة يكون مكروها لئلا يعرض له حاجة فيتعسر عليه إخراج يده فيلحقه الضرر، وعلى تفسير الفقهاء يحرم لأجل انكشاف العورة. قال الحافظ: ظاهر سياق المصنف يعني البخاري من رواية يونس في اللباس أن التفسير المذكور فيها مرفوع وهو موافق لما قال الفقهاء، وعلى تقدير أن يكون موقوفا فهو حجة على الصحيح لأنه تفسير من الراوي لا يخالف الخبر انتهى.
قلت: التفسير المذكور في حديث أبي هريرة المذكور مرفوع بلا شك وهو موافق للتفسير المذكور في رواية يونس عند البخاري فهو المعتمد (وعن الاحتباء في ثوب واحد) تقدم معنى الاحتباء والمطلق ههنا محمول على المقيد في الحديث الذي قبله.
قال المنذري: وأخرجه مسلم والنسائي.