التأمل وبنى التأويل على سياقه لعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد بذلك ملك بني أمية دون غيرهم من الأمة بل أراد به استقامة أمر الأمة في طاعة الولاة وإقامة الحدود والأحكام، وجعل المبدأ فيه أول زمان الهجرة، وأخبرهم أنهم يلبثون على ما هم عليه خمسا وثلاثين أو ستا وثلاثين أو سبعا وثلاثين ثم يشقون عصا الخلاف فتفرق كلمتهم، فإن هلكوا فسبيلهم سبيل من قد هلك قبلهم وإن عاد أمرهم إلى ما كان عليه من إيثار الطاعة ونصرة الحق يتم لهم ذلك إلى تمام السبعين.
هذا مقتضى اللفظ ولو اقتضى اللفظ أيضا غير ذلك لم يستقم لهم ذلك القول فإن الملك في أيام بعض العباسية لم يكن أقل استقامة منه في أيام المروانية، ومدة إمارة بني أمية من معاوية إلى مروان بن محمد كانت نحوا من تسع وثمانين سنة والتواريخ تشهد له مع أن بقية الحديث ينقض كل تأويل يخالف تأويلنا هذا، وهي قول ابن مسعود.
(قلت) أي يا رسول الله (أمما بقي أو مما مضى) يريد أن السبعين تتم لهم مستأنفة بعد خمس وثلاثين أم تدخل الأعوام المذكورة في جملتها (قال مما مضى) يعني يقوم لهم أمر دينهم إلى تمام سبعين سنة، من أول دولة الإسلام لا من انقضاء خمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين إلى انقضاء سبعين. قال المزي في الأطراف: حديث البراء بن ناجية الكاهلي ويقال المحاربي عن ابن مسعود أخرجه أبو داود في الفتن عن محمد بن سليمان الأنباري عن ابن مهدي عن سفيان عن منصور عن ربعي بن حراش عنه به انتهى. قلت: هذا حديث إسناده صحيح والله أعلم.
(يتقارب الزمان) قد يراد به اقتراب الساعة أو تقارب أهل الزمان بعضهم من بعض في الشر والفتنة أو قصر أعمار أهله أو قرب مدة الأيام والليالي حتى يكون السنة كالشهر.
قال الإمام أبو سليمان الخطابي: معناه قصر زمان الأعمار وقلة البركة فيها، وقيل هو دنو زمان الساعة، وقيل قصر مدة هذه الأيام والليالي على ما روي أن الزمان يتقارب حتى يكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم واليوم كالساعة والساعة كاحتراق السفعة انتهى.
قال البيضاوي: يحتمل أن يكون المراد بتقارب الزمان تسارع الدول إلى الانقضاء والقرون إلى الانقراض، فيتقارب زمانهم وتتدانى أيامهم.
وقال ابن بطال: معناه والله أعلم تقارب أحواله في أهله في قلة الدين حتى لا يكون فيهم من يأمر بمعروف ولا ينهي عن منكر لغلبة الفسق وظهور أهله (وينقض العلم) أي في ذلك