ورودها (55) حتى ظننت أنكم قاتلي وأن بعضكم قاتل بعض، حتى انقطعت النعل وسقط الرداء، وطئ الضعيف وبلغ من سرور الناس ببيعتهم إياي أن حمل إليها الصغير وهدج إليها الكبير وتحامل إليها العليل وحسرت لها الكعاب (56).
(55) التداك والتداكك: التدافع الذي يقع بين المتزاحمين الواردين على شئ واحد، فان كل واحد منهم يدك الآخر بمقاديم بدنه ليدفعه ويستقل هو بالمورد، والهيم: العطاش. وجمعه هيماء - كعين وعيناء -. والورود:
النزول. ومثله في المختار (224)، أو 226) من خطب النهج، وكذا في المختار (53) منها: (يوم وردها) وهو أيضا يعطي معناه، إذ (الورد) يستعمل في الاشراف على الماء. وفى العطش. وفى الماء الذي يورد. وفى النصيب منه.
وفى يوم شرب الماء.
(56) وهذا قريب جدا مما في المختار (224، أو 226) من خطب نهج البلاغة، الا ان فيها: (أن ابتهج بها الصغير) وما هنا أبلغ، إذ حمل الصغار لبيعته (ع) يكشف عن فرط رغبة أوليائهم لبيعته، وتبركهم بها، ولهذا حملوا أولادهم معهم لبيعته (ع).
وأما تفسير ألفاظه (ع) فيقال: (هدج - هدجا) الظليم: مشى في ارتعاش. وهدجت الناقة: حنت على ولدها. والفعل من باب ضرب.
وتحامل في الامر وبالأمر والى الامر: تكلفه على مشقة. و (وحسر كمه عن ذراعه) - من باب ضرب ونصر -: رفعه وكشفه. و (حسرت الجارية خمارها عن وجهها): أسرفت وأبرزت وجهها برفع الخمار. و (الكعاب) - كحساب وكتاب - جمع الكعب - كفلس - وهو كل مفصل للعظام. ويراد منه هنا: الركبة أو الساق لمجاورته الركبة والعظمان الناشزان من جانبي القدم، فإنهما أيضا يطلق عليهما الكعب. و (الكعاب) - كسحاب وسراب -:
الجارية حين يبدو ثديها للنهود، وهي الكاعب - بلا هاء - أي ان الجواري كشفت عن وجهها متوجهة إلى بيعته عليه السلام لتعقدها بلا استحياء، لشدة الرغبة والحرص على اتمام الامر لأمير المؤمنين عليه السلام. كذا أفاد الأستاذ محمد عبده في تعليقه على نهج البلاغة، وهذى المعنى على ما أختاره من ضبط (الكعاب) على زنة سحاب، وأما بناء على كونه على زنة الكتاب والحساب، فالمعنى ان الناس - رجالا ونساء صغارا وكبارا - لغاية فرحهم ونهاية عنايتهم وفرط شعفهم بخلافة أمير المؤمنين عليه السلام كشفوا عن ساقهم وشمروا ذيلهم مسرعين إليه (ع) - كمن يعدوا إلى محبوبه الذي قد تألمه بفراقه في برهة وآيس من حياته ووصاله 4 ثم بشر بمجيئه وانه على شرف اللقاء - ليكونوا أول فائز بهذه المكرمة، ليتموه أو ليحكموه قبل سريان الفساد، وفوات الوقت، وعليه ف (حسرت) مبني للمفعول. وغرضه عليه السلام من الكلام ان الأمة بايعته مختارة مشتاقة من غير استدعاء منه عليه السلام. وما أقرب كلام ابن عم عدي بن حاتم لما وصف بيعته عليه السلام بالشام لمعاوية، لما ذكره (ع) هنا، قال ابن عم عدي: (ثم تهافت الناس على علي بالبيعة تهافت الفراش حتى ضلت النعل، وسقط الرداء، ووطئ الشيخ - إلى أن قال: - فحملوا إليه الصبي، ودبت إليه العجوز، وخرجت إليه العروس فرحا به وسرورا وشوقا إليه) الخ.