أرض الله، وقد نذر لله نذرا صادقا، وحلف أن لا يسكر بعد ذلك أبدا، فإن ذلك من حبائل الشيطان، فإذا أنت يا ابن رسول الله أتيته، فلا تذكر له شيئا، ولا تعاتبه على ما كان منه.
فقال عليه السلام: هكذا كان عزمي ورأيي، والله.
ثم دعا بثيابه، ولبس ونهض، وقام معه الناس أجمعون حتى دخل على المأمون. فلما رآه قام إليه وضمه إلى صدره، ورحب به، ولم يأذن لأحد في الدخول عليه، ولم يزل يحدثه ويستأمره.
فلما انقضى ذلك، قال أبو جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السلام: يا أمير المؤمنين!
قال: لبيك وسعديك!
قال: لك عندي نصيحة فاقبلها!
قال المأمون: بالحمد والشكر، فما ذاك يا ابن رسول الله؟
قال: أحب لك أن لا تخرج بالليل، فإني لا آمن عليك من هذا الخلق المنكوس، وعندي عقد تحصن به نفسك، وتحرز به من الشرور والبلايا والمكاره والآفات والعاهات، كما أنقذني الله منك البارحة.
ولو لقيت به جيوش الروم والترك، واجتمع عليك، وعلى غلبتك أهل الأرض جميعا ما تهيأ لهم منك شئ بإذن الله الجبار، وإن أحببت بعثت به إليك لتحترز به من جميع ما ذكرت لك.
قال: نعم! فاكتب ذلك بخطك وابعثه إلي.
قال: نعم!
قال ياسر: فلما أصبح أبو جعفر عليه السلام بعث إلي فدعاني، فلما صرت إليه وجلست بين يديه، دعا برق ظبي من أرض تهامة، ثم كتب بخطه هذا العقد.