وعبد الله بن المقفع في المسجد الحرام، فقال ابن المقفع: أترون هذا الخلق - وأومأ بيده إلى موضع الطواف - ما منهم أحد أوجب له اسم الانسانية إلا ذلك الشيخ الجالس - يعني أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام - فأما الباقون فرعاع وبهائم، فقال له ابن أبي العوجاء: وكيف أوجبت هذا الاسم لهذا الشيخ دون هؤلاء؟ قال: لأني رأيت عنده ما لم أره عندهم، فقال له ابن أبي العوجاء: لابد من اختبار ما قلت فيه منه، قال: فقال له ابن المقفع: لا تفعل، فإني أخاف أن يفسد عليك ما في يدك، فقال:
ليس ذا رأيك، ولكن تخاف أن يضعف رأيك عندي في إجلالك إياه المحل الذي وصفت، فقال ابن المقفع: أما إذا توهمت علي هذا فقم إليه وتحفظ ما استطعت من الزلل، ولا تثني عنانك إلى استرسال فيسلمك إلى عقال وسمه مالك أو عليك، قال:
فقام ابن أبي العوجاء وبقيت أنا وابن المقفع جالسين، فلما رجع إلينا ابن أبي العوجاء قال: ويلك يا ابن المقفع، ما هذا ببشر، وإن كان في الدنيا روحاني يتجسد إذا شاء ظاهرا، ويتروح إذا شاء باطنا فهو هذا، فقال له، وكيف ذلك؟ قال: جلست إليه، فلما لم يبق عنده غيري ابتدأني فقا ل: " إن يكن الامر على ما يقول هؤلاء - وهو على ما يقولون - يعني أهل الطواف فقد سلموا وعطبتم، وإن يكن الامر على ما تقولون - وليس كما تقولون - فقد استويتم وهم "، فقلت له: يرحمك الله، وأي شئ نقول وأي شئ يقولون؟ ما قولي وقولهم إلا واحدا، فقال: " وكيف يكون قولك وقولهم واحدا. وهم يقولون: إن لهم معادا وثوابا وعقابا، ويدينون بأن في السماء إلها، وأنها عمران، وأنتم تزعمون أن السماء خراب ليس فيها أحد؟ " قال: فاغتنمتها منه، فقلت له: ما منعه إن كان الامر كما يقولون أن يظهر لخلقه ويدعوهم إلى عبادته حتى لا يختلف منهم اثنان، ولم احتجب عنهم وأرسل إليهم الرسل؟ ولو باشرهم بنفسه كان أقرب إلى الايمان به، فقال لي: " ويلك، وكيف احتجب عنك من أراك قدرته في