نفسك، نشؤك ولم تكن، وكبرك بعد صغرك، وقوتك بعد ضعفك، وضعفك بعد قدرتك، وسقمك بعد صحتك، وصحتك بعد سقمك، ورضاك بعد غضبك، وغضبك بعد رضاك، وحزنك بعد فرحك، وفرحك بعد حزنك، وحبك بعد بغضك، وبغضك بعد حبك، وعزمك بعد أناتك، وأناتك بعد عزمك، وشهوتك بعد كراهتك، وكراهتك بعد شهوتك، ورغبتك بعد رهبتك، ورهبتك بعد رغبتك، ورجاءك بعد يأسك، ويأسك بعد رجاءك، وخاطرك بما لم يكن في وهمك، وعزوب ما أنت معتقده عن ذهنك "، وما زال يعدد علي قدرته التي هي في نفسي التي لا أدفعها، حتى ظننت أنه سيظهر فيما بيني وبينه، ثم قال: عاد ابن أبي العوجاء في اليوم الثاني، إلى مجلس أبي عبد الله عليه السلام فجلس وهو ساكت لا ينطق، فقال أبو عبد الله عليه السلام: " كأنك جئت تعيد بعض ما كنا فيه "، فقال: أردت ذلك يا ابن رسول الله، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: " ما أعجب هذا، تنكر الله وتشهد أني ابن رسول الله! " فقال: العادة تحملني على ذلك، فقال له العالم عليه السلام: " فما يمنعك من الكلام؟ " قال: إجلالا لك ومهابة ما ينطق لساني بين يديك، فإني شاهدت العلماء، وناظرت المتكلمين، فما تداخلني هيبة قط مثل ما تداخلني من هيبتك، قال: " يكون ذلك، ولكن افتح عليك بسؤال " وأقبل عليه فقال له: " أمصنوع أنت أو غير مصنوع؟ " فقال عبد الكريم بن أبي العوجاء: بل أنا غير مصنوع ، فقال له العالم عليه السلام: " فصف لي لو كنت مصنوعا كيف كنت تكون؟ " فبقي عبد الكريم مليا لا يحير جوابا، وولع بخشبة كانت بين يديه وهو يقول: طويل، عريض، عميق، قصير، متحرك، ساكن، كل ذلك صفة خلقه، فقال له العالم: " فإن كنت لم تعلم صفة الصنعة غيرها فاجعل نفسك مصنوعا، لما تجد في نفسك مما يحدث من هذه الأمور "، فقال له عبد الكريم: سألتني عن مسألة لم يسألني عنها أحد قبلك، ولا يسألني أحد بعدك عن مثلها، فقال أبو عبد الله عليه السلام: " هبك علمت أنك لم تسأل
(٣٢٢)