رسول الله (ص) قد خرج يتعرض العير خاف خوفا شديدا فرجع مسرعا وأمر بالعير فأخذ بها نحو البحر، وتركوا الطريق ومروا مسرعين ونزل جبرئيل على رسول الله (ص) فأخبره إن العير قد أفلتت وأن قريشا قد أقبلت لتمنع عن عيرها، وإن الله قد أمره بمحاربتهم ووعده النصر فجزع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك وخافوا خوفا شديدا فقال رسول الله: أشيروا علي فقام أبو بكر فقال: يا رسول الله إنها قريش وخيلاؤها ما آمنت منذ كفرت، ولا ذلت منذ غزت، وإنك لم تخرج على تهيئة الحرب. فقال رسول الله (ص): اجلس فقال: أشيروا علي فقام عمر وقال مثل مقالة أبي بكر فقال: اجلس فجلس ثم قام المقداد: فقال يا رسول الله إنها قريش وخيلاؤها وقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا إن ما جئت به حق من عند الله ولو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا لخضنا معك ولا نقول: ما قالت بنوا إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ولكنا نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فجزاه خيرا ثم جلس ثم قال أشيروا علي فقام سعد بن معاذ فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله كأنك أردتنا؟ قال نعم قال فلعلك خرجت على أمر قد أمرت بغيره؟
قال نعم قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله إننا قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا إن ما جئت به حق من عند الله فمرنا بما شئت، وخذ من أموالنا ما شئت فاترك منه ما شئت والذي أخذت منه أحب إلينا من الذي تركت، والله لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضنا معك، وإنا لنرجوا أن يقر الله عينيك بنا فإن يك ما تحب فهو ذاك، وأن يكن غير ذلك قعدت على رواحلك ولحقت بقومنا.
أقول: بيض الله وجوههم ما أشبه كلامهم بكلام أصحاب سيدنا الحسين (ع) ليلة العاشر لما أخبرهم بقتله وأمرهم بالانصراف الخ. فقال رسول الله (ص): أو يحدث الله غير ذلك كأني بمصرع فلان ها هنا بمصرع فلان ها هنا بمصرع أبي جهل وعتبة بن ربيعة وفلان وفلان فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين ولن يخلف الله الميعاد فأمر رسول الله (ص) بالرحيل حتى نزل العشاء ماء بدر، وأقبلت قريش ونزلت قريبا وبعثت عبيدها تستعذب من الماء فأخذهم أصحاب رسول الله فحبسوهم فقالوا: من أنتم؟
قالوا: نحن عبيد قريش قالوا: فأين العير؟ قالوا: لا علم لنا بالعير فأقبلوا يضربونهم وكان رسول الله (ص) يصلي فانفتل من صلاته فقال: إن صدقوكم ضربتموهم،