ثم تلا " بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون " (1) ثم قال: والله ما فعلوه وما كذب (2).
تكملة: قال بعض المحققين: اعلم أن الكذب ليس حراما لعينه، بل لما فيه من الضرر على المخاطب، أو على غيره، فان أقل درجاته أن يعتقد المخبر الشئ على خلاف ما هو به، فيكون جاهلا، وقد يتعلق به ضرر غيره، ورب جهل فيه منفعة ومصلحة. فالكذب تحصيل لذلك الجهل، فيكون مأذونا فيه وربما كان واجبا كما لو كان في الصدق قتل نفس بغير حق.
فنقول: الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب، جميعا فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباح، إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحا، وواجب إن كان المقصود واجبا كما إن عصمة دم المسلم واجبة. فمهما كان في الصدق سفك دم مسلم قد اختفى من ظالم فالكذب فيه واجب، ومهما كان لا يتم مقصود الحرب أو إصلاح ذات البين أو استمالة قلب المجني عليه إلا بالكذب، فالكذب مباح إلا أنه ينبغي أن يحترز عنه ما يمكن، لأنه إذا فتح على نفسه باب الكذب فيخشى أن يتداعى إلى ما يستغني عنه، وإلى ما لم يقتصر فيه على حد الواجب ومقدار الضرورة، فكان الكذب حراما في الأصل إلا لضرورة.
والذي يدل على الاستثناء ما روي عن أم كلثوم قال: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يرخص في شئ من الكذب إلا في ثلاث: الرجل يقول يريد الاصلاح والرجل يقول القول في الحرب، والرجل يحدث امرأته والمرأة تحدث زوجها. وقالت أيضا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ليس بكذاب من أصلح بين اثنين