الكلام فتخبث نفسه على الأول أي يتغير عليه ويبغضه، فتلقى الرجل الثاني فتقول سمعت من الرجل الأول فيك كذا وكذا من مدحه خلاف ما سمعت منه من ذمه والتكلف فيه من جهة إرجاع ضمير يبلغه إلى الرجل الثاني وهو غير مذكور في الكلام، لكنه معلوم بقرينة المقام.
وهذا القول وإن كان كذبا لغة وعرفا جايز لقصد الاصلاح بين الناس، وكأنه لا خلاف فيه عند أهل الاسلام والظاهر أنه لا تورية ولا تعريض فيه وإن أمكن أن يقصد تورية بعيدة كأن ينوي أنه كان حقه أن يقول كذا ولو صافيته لقال فيك كذا لكنه بعيد، وقد اتفقت الأمة على أنه لو جاء ظالم ليقتل رجلا مختفيا ليقتله ظلما أو يطلب وديعة مؤمن ليأخذها غصبا وجب الاخفاء على من علم ذلك، فلو أنكرها فطولب باليمين ظلما يجب عليه أن يحلف.
لكن قالوا: إذا عرف التورية بما يخرج به عن الكذب وجبت التورية، كأن يقصد ليس عندي مال يجب علي أداؤه إليك، أو لا أعلم علما يلزمني الاخبار به وأمثال ذلك.
وقالوا: إذا لم يعرفها وجب الحلف والكذب بغير تورية أيضا فإنه وإن كان قبيحا إلا أن إذهاب حق الادمي أشد قبحا من حق الله تعالى في الكذب أو اليمين الكاذبة، فيجب ارتكاب أخف الضررين، ولان اليمين الكاذب عند الضرورة مأذون فيه شرعا كمطلق الكذب النافع بخلاف مال الغير، فإنه لا يباح إذهابه بغير إذنه مع إمكان حفظه، فأمثال هذا الكذب ليست بمذمومة في نفس الامر، بل إما واجبة أو مندوبة ويدل الحديث على أن الكذب شرعا إنما يطلق على ما كان مذموما، فغير المذموم قسم ثالث من الكلام يسمى إصلاحا فهو واسطة بين الصدق والكذب.
20 - الكافي: عن الأشعري: عن محمد بن عبد الجبار، عن الحجال، عن ثعلبة، عن معمر بن عمرو، عن عطا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا كذب على مصلح ثم تلا " أيتها العير إنكم لسارقون " (1) ثم قال: والله ما سرقوا وما كذب