يكتب ويحاسب عليه، ويطالب لتصحيح قصده فيه، ثم يعفى عنه، لأنه إنما أبيح بقصد الاصلاح، ويتطرق إليه غرور كثيرة، فإنه قد يكون الباعث له حظه وغرضه الذي هو مستغن عنه، وإنما يتعلل ظاهرا بالاصلاح، فلهذا يكتب.
وكل من أتى بكذبة فقد وقع في خطر الاجتهاد ليعلم أن المقصود الذي كذب له هل هو أهم في الشرع من الصدق أو لا، وذلك غامض جدا، فالحزم في تركه إلا أن يصير واجبا لا يجوز تركه كما يؤدي إلى سفك دم أو ارتكاب معصية، كيف كان.
وقد ظن ظانون أنه يجوز وضع الاخبار في فضائل الأعمال وفي التشديد في المعاصي، وزعموا أن القصد منه صحيح وهو خطأ محض إذ قال صلى الله عليه وآله: من كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار، وهذا لا يترك إلا لضرورة، ولا ضرورة ههنا. إذ في الصدق مندوحة عن الكذب، ففيما ورد من الآيات والاخبار كفاية عن غيرها.
وقول القائل: إن ذلك قد تكرر على الاسماع وسقط وقعها، وما هو جديد على الاسماع فوقعه أعظم فهذا هوس إذ ليس هذا من الأغراض التي تقاوم محذور الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى الله تعالى، ويؤدي فتح بابه إلى أمور تشوش الشريعة [فلا يقاوم خير هذا بشره أصلا، فالكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله من الكبائر التي لا يقاومها شئ.
ثم قال:] (1) قد نقل عن السلف أن في المعاريض لمندوحة عن الكذب وعن ابن عباس وغيره أما في المعاريض ما يغني الرجل عن الكذب، وإنما أرادوا من ذلك إذا أضطر الانسان إلى الكذب، فأما إذا لم يكن حاجة وضرورة فلا يجوز التعريض ولا التصريح جميعا، ولكن التعريض أهون.
ومثال المعاريض ما روي أن مطرفا دخل على زياد فاستبطاه فتعلل بمرض فقال:
ما رفعت جنبي منذ فارقت الأمير إلا ما رفعني الله، وقال إبراهيم: إذا بلغ الرجل عنك