واستعار لزوالها لفظ الحت وشبهه في قوة الزوال والمفارقة بحت الأوراق.
ثم نبه عليه السلام بقوله: " وإن الله " إلى آخره على أن العبد إذا احتسب المشقة في مرضه لله بصدق نيته مع صلاح سريرته، فقد يكون ذلك معدا لإفاضة الأجر والثواب عليه، ودخوله الجنة، ويدخل ذلك في أعدام الملكات المقرونة بنية القربة إلى الله، وكلام السيد رحمه الله مقتضى مذهب المعتزلة. انتهى.
وقال الكيدري نور الله ضريحه: المرض لا أجر فيه للمريض بمجرد الألم بل فيه العوض وإذا احتمل المريض ما حمل احتسابا أثيب على ذلك. انتهى.
وأقول: إذا اطلعت على ما ذكره المخالف والمؤالف في هذا الباب فاعلم أنهم جروا في ذلك على ما نسجوه من قواعدهم الكلامية نسج العنكبوت ولا طائل في الخوض فيها، لكن لابد من الخوض في الآيات والأخبار الواردة في ذلك والجمع بينهما.
والذي يظهر منها أن الله تعالى بلطفه ورحمته يبتلي المؤمنين في الدنيا بأنواع البلايا على قدر إيمانهم، وسبب ذلك إما إصلاح نفوسهم، وردعها عن الشهوات أو تعريضهم بالصبر عليها لاجزل المثوبات، أو لحط ما صدر عنهم من السيئات إذا علم أن صلاحهم في العفو بعد الابتلاء، ليكون رادعا لهم عن ارتكاب مثلها ومع ذلك يعوضهم أو يثيبهم بأنواع الأعواض والمثوبات.
ولو صح قولهم: إن العوض لا يكون دائما، يمكن أن يقال: دخولهم الجنة وتنعمهم بنعيمه الدائم إنما هو بالايمان والأعمال الصالحة، لكن لما كانت معاصيهم حائلة بينهم وبين دخولهم الجنة ابتداء، قد يبتليهم في الدنيا ليطهرهم من لوثها وقد يؤخرهم إلى سكرات الموت أو عذاب البرزخ أو في القيامة ليدخلوا الجنة مطهرين من لوث المعاصي، وكل ذلك بحسب ما علم من صلاحهم في ذلك.
ثم إن جميع ذلك في غير الأنبياء والأوصياء والأولياء عليهم السلام وأما فيهم عليهم السلام فليس إلا لرفع الدرجات، وتكثير المثوبات، كما عرفت مما سبق من الروايات