لك كذا مائة مرة، وطلبتك مائة مرة، فإنه لا يراد بها تفهيم المرات بعددها، بل تفهيم المبالغة، فإن لم يكن طلب إلا مرة واحدة كان كاذبا وإن طلب مرات لا يعتاد مثلها في الكثرة، فلا يأثم، وإن لم يبلغ مائة، وبينهما درجات يتعرض مطلق اللسان بالمبالغة فيها لخطر الكذب.
وربما يعتاد الكذب فيه ويتساهل به أن يقال كل الطعام لاحد فيقول: لا أشتهيه وذلك منهي عنه، وهو حرام، إن لم يكن فيه غرض صحيح قال مجاهد: قالت أسماء بنت عميس: كنت صاحبة عائشة التي هيأتها وأدخلتها على رسول الله صلى الله عليه وآله ومعي نسوة قال: فوالله ما وجدنا عنده قوتا إلا قدحا من لبن فشرب ثم ناوله عائشة قالت: فاستحييت الجارية فقلت: لا تردين يد رسول الله خذي منه، قالت: فأخذته على حياء فشربت منه ثم قال: ناولي صواحبك فقلن: لا نشتهيه، فقال: لا تجمعن جوعا وكذبا قالت: فقلت: يا رسول الله إن قالت أحدنا لشئ يشتهيه: لا نشتهيه أيعد ذلك كذبا؟ قال: إن الكذب ليكتب حتى يكتب الكذيبة كذيبة.
وقد كان أهل الورع يحترزون عن التسامح بمثل هذا الكذب، قال الليث ابن سعد: كانت ترمص عينا سعيد بن المسيب حتى يبلغ الرمص خارج عينيه فيقال له: لو مسحت هذا الرمص فيقول: فأين قول الطبيب وهو يقول لي: لا تمس عينيك فأقول: لا أفعل، وهذه من مراقبة أهل الورع، ومن تركه انسل لسانه عن اختياره فيكذب ولا يشعر.
وعن خوات التيمي قال: قد جاءت أخت الربيع بن خثيم عائدة إلى بني لي فانكبت عليه فقالت: كيف أنت يا بني، فجلس الربيع فقال: أرضعته؟ فقالت لا، قال: ما عليك لو قلت يا ابن أخي فصدقت.
ومن العادة أن يقول " يعلم الله " فيما لا يعلمه قال عيسى: إن من أعظم الذنوب عند الله أن يقول العبد إن الله يعلم لما لا يعلم، وربما يكذب في حكاية المنام والاثم فيه عظيم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن من أعظم الفري أن يدعي الرجل إلى غير أبيه أو يرى عينيه في المنام ما لم تريا أو يقول علي ما لم أقل، وقال صلى الله عليه وآله: من