والاخبار في ذلك مختلفة، وورد في كثير من الأدعية طلب الغنا وكثرة الأموال والأولاد، وورد في كثير منها ذم الفقر والاستعاذة منه، والجمع بينها لا يحلو من إشكال.
ويمكن الجمع بينها بأن الغنا الممدوح ما يكون وسيلة إلى تحصيل الآخرة ولا يكون مانعا من الاشتغال بالطاعات، كما ورد نعم المال الصالح للعبد الصالح، وهو نادر، والفقر المذموم هو ما لا يصبر عليه ويكون سببا للمذلة والافتقار إلى الناس، وربما يحمل الفقر والغنا الممدوحان على الكفاف فإنه غني بحسب الواقع ويعده أكثر الناس فقرا، ولا ريب في أن كثرة الأموال والأولاد والخدم ملهية غالبا عن ذكر الله والآخرة كما قال سبحانه: " إنما أموالكم وأولادكم فتنة " (1) وقال: " إن الانسان ليطغى، إن رآه استغنى " (2).
وأما إذا لم تكن حصول هذه الأشياء مانعة عن تحصيل الآخرة، وكان الغرض فيها طاعة الله وكثرة العابدين لله، فهي من نعم الله على من علم الله صلاحه فيه، وكأن هذه الأخبار محمولة على الغالب، ومضمون هذا الحديث مروي في طرق العامة أيضا ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: اللهم اجعل رزق محمد قوتا، وعنه أيضا اللهم اجعل رزق محمد كفافا، وفي رواية أخرى اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا.
قال عياض: لا خلاف في فضيلة ذلك لقلة الحساب عليه، وإنما اختلف أيهما أفضل الفقر أو الغنا؟ واحتج من فضل الفقر بدخول الفقراء الجنة قبل الأغنياء قال القرطبي: القوت ما يقوت الأبدان ويكف عن الحاجة، وهذا الحديث حجة لمن قال: إن الكفاف أفضل، لأنه صلى الله عليه وآله إنما يدعو بالأرجح وأيضا فان الكفاف حالة متوسطة بين الفقر والغنا، وخير الأمور أوسطها، وأيضا فإنه حالة يسلم معها من آفات الفقر وآفات الغنا.