بالشئ عند اللقاء كارخاء الجفون وتنكيس الرأس والوقار في الكلام حتى أن المرائي قد يسرع في المشي إلى حاجته فإذا اطلع عليه واحد من أهل الدين رجع إلى الوقار وإطراق الرأس خوفا من أن ينسبه إلى العجلة وقلة الوقار، فان غاب الرجل عاد إلى عجلته فإذا رآه عاد إلى خشوعه، ومنهم من يستحيي أن يخالف مشيته في الخلوة لمشيته بمرئي من الناس، فيكلف نفسه المشية الحسنة في الخلوة، حتى إذا رآه الناس لم يفتقر إلى التغيير ويظن أنه تخلص به من الرياء وقد تضاعف به رياؤه فإنه صار في خلواته أيضا مرائيا.
وأما أهل الدنيا فمرائاتهم بالتبختر والاختيال، وتحريك اليدين، وتقريب الخطأ، والاخذ بأطراف الذيل وإدارة العطفين ليدلوا بذلك على الجاه والحشمة.
الخامس: المراءاة بالأصحاب والزائرين والمخالطين كالذي يتكلف أن يزور عالما من العلماء ليقال إن فلانا قد زار فلانا أو عابدا من العباد لذلك أو ملكا من الملوك وأشباهه ليقال إنهم يتبركون به، وكالذي يكثر ذكر الشيوخ ليرى أنه لقي شيوخا كثيرا واستفاد منهم فيباهي بشيوخه ومنهم من يريد انتشار الصيت في البلاد لتكثر الرحلة إليه، ومنهم من يريد الاشتهار عند الملوك لتقبل شفاعته ومنهم من يقصد التوصل بذلك إلى جمع حطام وكسب مال ولو من الأوقاف وأموال اليتامى وغير ذلك.
وأما حكم الرياء فهل هو حرام أو مكروه أو مباح أو فيه تفصيل فأقول: فيه تفصيل، فان الرياء هو طلب الجاه. وهو إما أن يكون بالعبادات أو بغير العبادات، فإن كان بغير العبادات فهو كطلب المال فلا يحرم من حيث أنه طلب منزلة في قلوب العباد، ولكن كما يمكن كسب المال بتلبيسات وأسباب محظورة، فكذلك الجاه وكما أن كسب قليل من المال وهو ما يحتاج إليه الانسان محمود فكسب قليل من الجاه وهو ما يسلم به عن الآفات محمود وهو الذي طلبه يوسف عليه السلام حيث قال: " إني حفيظ عليم " (1) وكما أن المال فيه سم ناقع وترياق نافع، فكذلك الجاه.