يمكن أن لا يكون الصادق اللغوي، صادقا عرفيا كما قال تعالى: " فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون " (1) فكذلك يمكن أن لا يكون الكاذب اللغوي كاذبا عرفيا كما ذكره عليه السلام في هذا الخبر.
5 - الكافي: عن علي، عن أبيه، عن صفوان، عن أبي مخلد السراج، عن عيسى بن حسان، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كل كذب مسؤول عنه صاحبه يوما إلا كذبا في ثلاثة: رجل كائد في حربه فهو موضوع عنه، أو رجل أصلح بين اثنين يلقى هذا بغير ما يلقى به هذا، يريد بذلك الاصلاح ما بينهما، أو رجل وعد أهله شيئا وهو لا يريد أن يتم لهم (2).
بيان: يوما لعل الابهام لاحتمال أن يكون السؤال في القبر أو في القيامة ويحتمل الدنيا أيضا فان للناس أن يعيروه بذلك " إلا كذبا " المراد به الكذب اللغوي فهو موضوع عنه أي إثمه مرفوع عنه لا يأثم عليه. " يلقى هذا بغير ما يلقي به هذا " كأن يقول لكل منهما: التقصير منك وهو غير مقصر في حقك أو يلقي كلا منهما بكلام غير الكلام الذي سمع من الاخر فيه من الشتم وإظهار العداوة وهذا أنسب معنى، والأول لفظا.
و " ما " في قوله: " ما بينهما " موصولة وهو مفعول الاصلاح " أو رجل وعد أهله " فيه أن الوعد من قبيل الانشاء والصدق والكذب إنما يكونان في الخبر ولعله باعتبار أنه يلزم إذا لم يف به أن يعتذر بما يتضمن الكذب، كأن يقول: نسيت أو لم يمكنني وأمثال ذلك، باعتبار ما يستلزمه من الاخبار ضمنا بإرادة الوفاء، هذا بحسب ما هو أظهر عندي في الوعد لكن ظاهر أكثر العلماء أنه من قبيل الخبر وسيأتي الكلام فيه في باب خلف الوعد.
قال الراغب: الصدق والكذب أصلهما في القول ماضيا كان أو مستقبلا، وعدا كان أو غيره، ولا يكونان بالقصد الأول إلا في القول، ولا يكونان من القول