أن الأول نظري والثاني بديهي، لكن لما كان النظري إنما يصير يقينيا بانتهائه إلى البديهي ولم يبق فرق بين العلمين، امتنع تغير ذلك العلم وتبدله كما يمتنع تغير علمه بوجود نفسه.
والحاصل أن العلم إذا انطبق على المعلوم الحقيقي الذي لا يتغير أصلا فمحال تغيره، وإلا لما كان منطبقا، فعلم أن ما يحصل لبعض الناس من تغيير عقيدة الايمان لم يكن بعد اتصاف أنفسهم بما ذكرناه من العلم، بل كان الحاصل لهم ظنا غالبا بتلك المعلومات، لا العلم بها، والظن يمكن تبدله وتغيره، وإن كان المظنون لا يمكن تبدله، لان الانطباق غير حاصل وإلا لصار علما.
إن قلت: يتصور زوال الايمان بصدور بعض الأفعال الموجبة للكفر كما تقدم وإن بقي التصديق اليقيني بالمعارف المذكورة فقد صح أن المؤمن قد يكفر بعد اتصافه بالايمان.
قلت: لا نسلم إمكان صدور فعل يوجب الكفر ممن اتصف بالعلم المذكور، بل صار ذلك الفعل ممتنعا بالغير الذي هو العلم اليقيني وإن أمكن بالذات، وحينئذ فصدور بعض الأفعال المذكورة إنما كان لعدم حصول العلم المذكور، وبالجملة فكلام علم الهدى ومذهبه هنا رضي الله عنه في غاية القوة والمتانة، بعد تدقيق النظر وقد ظهر مما حررناه أن القائلين بامكان زوال الايمان بعروض الكفر إن أرادوا به إمكان زوال العلم بالأمور المذكورة، فظاهر أنه ممتنع بالذات، كانقلاب الحقائق وإن أرادوا به إمكان انتفاء الايمان بعروض شئ من الافعال وإن بقي العلم فقد بينا أنه ممتنع بالغير، فان أرادوا بالامكان على هذا التقدير الامكان الذاتي فلا نزاع لاحد فيه، وإن أرادوا به عدم الامتناع ولو بالغير فقد بينا منعه وامتناعه.
وبالجملة فظواهر كثير من الآيات الكريمة والسنة المطهرة تدل على إمكان طروء الكفر على الايمان، وعلى هذا بناء أحكام المرتدين، وهو مذهب أكثر المسلمين، نعم في الاعتبار ما يدل على عدم جواز طروئه عليه كما أشرنا إليه، إن جعلنا الايمان عبارة عن التصديق مع الاقرار أو حكمه، لكن الأول هو الأرجح