ولم يخلق للذباب أجفان لصغر أحداقها، ومن شأن الأجفان أن تصقل مرآة الحدقة من الغبار فجعل الله لها عوض الأجفان يدين تصقل بهما مرآة حدقتها، فلذا ترى الذباب يمسح بيديه عينيه، وهو أصناف كثيرة متولدة من العفونة، قال الجاحظ: الذباب عند العرب يقع على الزنابير والبعوض (1) بأنواعه كالبق والبراغيث والقمل والصواب والناموس والفراش والنمل، والذباب المعروف عند الاطلاق العرفي وهو أصناف: النغر والقمع والخازباز والشعراء وذباب الكلاب وذباب الرياض، وذباب الكلاء والذباب الذي يخالط الناس يخلق من السفاد، وقد يخلق من الأجسام، ويقال إن الباقلا إذا عتق في موضع استحال كله ذبابا فطار من الكوى التي في ذلك الموضع ولا يبقى فيه غير القشر.
وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: عمر الذباب أربعون ليلة، والذباب كله في النار إلا النحل.
قيل: كونه في النار ليس بعذاب، وإنما هو ليعذب به أهل النار لوقوعه عليهم.
وعن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: وكل بالمؤمن مائة وستون ملكا يذبون عنه ما لم يقدر عليه، فمن ذلك سبعة أملاك يذبون عنه كما يذب عن قصعة العسل الذباب في يوم الصائف، ولو بدوا لكم لرأيتموهم على كل سهل وجبل كل باسط يده فأغرفاه، ولو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين لأختطفته الشياطين.
والعرب يجعل الذباب والفراش والدبر ونحوه كلها واحدا وجالينوس يقول: إنه ألوان فللإبل ذباب وللبقر ذباب وأصله دود صغار تخرج من أبدانهن فتصير ذبابا وزنابير وذباب الناس يتولد من الزبل إذا هاجت (2) ريح الجنوب ويخلق في تلك الساعة، و إذا هبت ريح الشمال خف وتلاشى، وهو من ذوات الخراطيم كالبعوض انتهى.
ومن عجيب أمره أنه يلقى رجيعه على الأبيض أسود وعلى الأسود أبيض،