ويذكر عنه أنه يرى الماء في باطن الأرض كما يراه الانسان في باطن الزجاج وزعموا أنه كان دليل سليمان عليه السلام على الماء، وبهذا تفقده لما فقده، وكان سبب غيبة الهدهد عن سليمان عليه السلام أنه لما فرغ من بناء بيت المقدس عزم على الخروج إلى أرض الحرم فتجهز واستصحب من الجن والإنس والشياطين والطير والوحش ما بلغ عسكره مائة فرسخ فحملتهم الريح، فلما وافى الحرم أقام به ما شاء الله أن يقيم، وكان ينحر كل يوم طول مقامه (1) خمسة آلاف ناقة ويذبح خمسة آلاف ثور، وعشرين ألف شاة، وإنه قال لمن حضره من أشراف قومه: إن هذا مكان يخرج منه نبي عربي من صفته كذا وكذا يعطى النصر على من ناواه، وتبلغ هيبته مسيرة شهر، القريب والبعيد عنده في الحق سواء، لا تأخذه في الله لومة لائم، قالوا: فبأي دين يدين يا نبي الله؟ قال: بدين الحنيفية، فطوبى لمن أدركه وآمن به، قالوا: فكم بيننا وبين خروجه؟ قال: مقدار ألف عام (2)، فليبلغ الشاهد منكم الغائب فإنه سيد الأنبياء وخاتم الرسل.
وأقام سليمان عليه السلام بمكة حتى قضى نسكه ثم خرج من مكة صباحا، وسار نحو اليمن فوافى صنعاء وقت الزوال وذلك مسيرة شهر، فرأى أرضا حسنا تزهو خضرتها فأحب النزول فيها ليصلي ويتغذى، فلما نزل قال الهدهد: إن سليمان قد اشتغل بالنزول فارتفع نحو السماء فنظر إلى طول الدنيا وعرضها يمينا وشمالا فرأى بستانا لبلقيس فمال إلى الخضرة فوقع فيه فإذا هو بهدهد من هداهد اليمن فهبط عليه، وكان اسم هدهد سليمان يعفور، فقال (2) ليعفور: من أين أقبلت؟ وأين تريد؟ قال:
أقبلت من الشام مع صاحبي سليمان بن داود عليه السلام، فقال: ومن سليمان؟ قال: ملك الجن والإنس والشياطين والطيور والوحوش والرياح، وذكر له من عظمة ملك سليمان