أولا وآخرا وظاهرا وباطنا (1).
ولنوضح بعض ما ربما اشتبه على الناظر فيها. قوله عليه السلام " على مثال الملك " بالضم أي المملكة التي يتصرف فيها الملك، فملك الجسد - بفتح الميم وكسر اللام.
أي سلطانه هو القلب. كذا في أكثر النسخ، وربما يتوهم التنافي بينه وبين ما سيأتي من أن بيت الملك قلبه.
ويمكن رفع التنافي بأن للقلب معاني: أحدها اللحم الصنوبري المعلق في الجوف، الثاني الروح الحيواني الذي ينبعث من القلب ويسري في جميع البدن، الثالث النفس الناطقة الانسانية التي زعمت الحكماء وبعض المتكلمين أنها مجردة متعلقة بالبدن، إذ زعموا أن تعلقها أولا بالبخار اللطيف المنبعث من القلب المسمى بالروح الحيواني، وبتوسطه تتعلق بسائر الجسد، فإطلاقه على الثاني لكون القلب منشأه ومحله، وعلى الثالث لكون تعلقها أولا بما في القلب. فيحتمل أن يكون مراده عليه السلام بالقلب ثانيا المعنى الأول، وبه أولا أحد المعنيين الآخرين.
وفي بعض النسخ " هو ما في القلب " فلا يحتاج إلى تكلف. لكن يحتمل المعنى الثاني على الظرفية الحقيقية، والثالث على الظرفية المجازية، بناء على القول بتجرد الروح، وقد مر الكلام فيه. وعلى التقديرين كونه ملك البدن ظاهر، إذ كما أن الملك يكون سببا لنظام أمور الرعية ومنه يصل الأرزاق إليهم، فمنه يصل الروح الذي به الحياة إلى سائر البدن.
وعلى رأي أكثر الحكماء إذا وصل الروح الحيواني إلى الدماع صار روحا نفسانيا يسري بتوسط الأعصاب إلى سائر البدن، فمنه يحصل الحس والحركة فيها وإذا نفذ إلى الكبد صار روحا طبيعيا فيسري بتوسط العروق النابتة من الكبد إلى جميع الأعضاء، وبه يحصل التغذية والتنمية. وكما أن السلطان قد يأخذ من الرعايا ما يقوم به أمره، كذلك يسري من الدماغ والكبد إليه القوة النفسانية والقوة الطبيعية كما مرت الإشارة إلى جميع ذلك. وسيأتي منا تحقيق آخر في ذلك في كتاب الايمان