" وأزكى لعقلك " أي أنمى. وفي بعض النسخ بالذال، وهو أنسب، لان الذكاء سرعة الفهم وشدة لهب النار، وذلك لان مع امتلاء المعدة تصعد إلى الدماغ الأبخرة الردية، فتصير سببا لغلظة الروح النفساني وقلة الفهم وتكدر الحواس.
" وأخف على جسمك " فإن البدن يثقل بكثرة الأكل.
" كل البارد في الصيف " يحتمل أن يكون المراد بالبارد البارد بالفعل كالماء الذي فيه الجمد والثلج، أو البارد بالقوة بحسب المزاج كالخيار والخس، وكذا الحار يحتملهما.
وذلك لأنه لما كان في الصيف ظاهر البدن حارا بسبب حرارة الهواء، فإذا أكل أو شرب الحار بأحد المعنيين اجتمعت الحرارتان، فصار سببا لفساد الهضم و كثرة تحليل الرطوبات. وكذا أكل البارد وشربه في الشتاء يصير سببا لاجتماع البرودتين الموجب لقلة الحرارة الغريزية. ومنه يظهر علة رعاية الاعتدال في الفصلين المعتدلين.
وقوله عليه السلام " على قدر قوتك وشهوتك " إعادة لما مر تأكيدا، وإشارة إلى أن كثرة الأكل وقلته تختلفان بحسب الأمزجة، فالمزاج القوي والمعدة القوية يقدران على هضم كثير من الغذاء، وصاحب المزاج الضعيف والمعدة الضعيفة، قليل من الغذاء بالنسبة إليه كثير.
" وابدأ في أول الطعام " هذا إشارة إلى الترتيب بين الأغذية، بأنه إذا أراد أكل غذاء لطيف مع غذاء غليظ بأيهما يبدأ، فحكم عليه السلام بالابتداء باللطيف من الغذاء وكذا ذكره بعض الأطباء، فإنه إذا عكس فيسرع إليه هضم اللطيف، والغذاء الغليظ لم يهضم بعد، وهو في قعر المعدة قد سد طريق نفوذ المهضوم إلى الأمعاء، فيفسد المنهضم ويختلط بالغليظ فيفسده أيضا، ويصير سببا للتخمة.
وجوزوا ذلك فيما إذا كانت المعدة خالية من الغذاء والصفراء، وكان في غاية الاشتهاء وأكل قليل من الغذاء الغليظ، ومر عليه زمان حصل فيه بعض الهضم ثم أكل اللطيف ليتم هضمها معا في زمان واحد. وإذا ابتدأ في تلك الحالة بأكل اللطيف