وأيضا يعين الهواء الخارج من المنخرين على بعض الحروف وصفات بعضها كالنون وأشباهه، وكل ذلك يشاهد فيمن سد الزكام أنفه.
وأما أن أصل الحزن في الطحال فلما عرفت أنه مفرغة للسوداء البارد اليابس الغليظ، وهي مضادة للروح في صفاتها، وفرح الروح وانبساطه إنما هو من صفاء الدم وخلوصه من الكدورات، فإذا امتزج الدم بالسوداء غلظ وكثف وفسد، ويفسد به الروح، ولذا ترى أصحاب الأمراض السوداوية دائما في الحزن والكدورة والخيالات الباطلة، وعلاجهم تصفية الدم من السوداء.
و " الثرب " غشاء على المعدة والأمعاء ذو طبقتين، بينهما عروق وشرايين وشحم كثير، ومنشؤه من فم المعدة، ومنتهاه عند المعاء الخامس المسمى بقولون كما مر وسبب كون الفرح منه أنه بسبب كثرة عروقه وشرايينه يجذب الدم ورطوبته إلى الكلية، فيصير سببا لصفاء الدم ورقته ولطافته، فينبسط به الروح.
" من العمال " أي الأعضاء والجوارح.
" إلى الملك " أي القلب، لما عرفت أن الروح بعد سريانه إلى الدماغ وإلى الكبد يرجع إلى القلب، وسريانه من القلب إلى الأعضاء والجوارح ظاهر.
ومثل عليه السلام لذلك مثالا ومصدقا، وهو أنه إذا تناول الانسان الدواء وورد المعدة تصرفت فيه الحرارة الغريزية، ثم تتأدى آثاره وخواصه من طرق العروق إلى موضع الداء بإعانة الجوارح والأعضاء، فهي طرق للقلب إلى الأعضاء.
وأقول: يحتمل أن يراد بالعمال هنا وفي أول الخبر القوى المودعة في كل عضو بتوسط الروح الساري فيه، وهي بكونها عمالا ونوابا للروح الذي [هي] في القلب أنسب، والتمثيل حينئذ أظهر، لأنه يسري أثر الدواء في العروق إلى كل عضو، ثم تتصرف فيه القوى المودعة فيه [من] الغاذية والنامية والدافعة والماسكة و غيرها، حتى يتم تأثيرها فيه. كما أن الملك إذا بعث شيئا إلى عامل من عماله فهو يأخذه ويصرفه فيما يناسبه من المصالح. فالمراد بالعروق في صدر الخبر القوى المودعة فيها، وههنا نفس العروق.