فلهذه الأسباب وغيرها صار من بين الحيوانات أحوج إلى الاقتدار على أن يعلم غيره من المتشاركين في التعيش ونظام التمدن ما في نفسه بعلامة وضعية، ولا يصلح لذلك شئ أخف من الصوت أو الإشارة، والأول أولى لأنه مع خفة مؤونته لوجود النفس الضروري المنشعب بالتقاطيع إلى حروف مهيأة بالتأليف لهيئات تركيبية غير محصورة بلا تجشم تحريكات كثيرة كما في الإشارة لا يختص إشعاره بالقرب والحاضر، بل يشمل هدايته لهما ولغيرهما من البعيد والغائب، ويشمل أيضا الصور والمعاني، والمحسوس والمعقول، فلذلك أنعم الله سبحانه عليه بذلك.
{الفصل الرابع} * (في العنق والصلب والأضلاع) * اما العنق والصلب فمخلوقتان من الفقرات، والفقرة عظم مدور في وسطه ثقب ينفذ فيه النخاع. وإنما خلقت لتكون وقاية للنخاع ودعامة للبدن، ونسبتها إلى النخاع كنسبة القحف إلى الدماغ، وهي ثلاثون عددا: سبع للعنق، واثنا عشر للظهر، وربما زادت أو نقصت واحدة منها في الندرة والزيادة أندر، وخمس للقطن (1) وثلاث للعجز وهما كقاعدة للصلب، وثلاث للعصعص. وإنما حلقت صلبة ليكون للانسان استقلال به وقوام وتمكن الحركات إلى الجهات، ولذلك جعلت المفاصل بينهما لا سلسلة فيوهن القوام، ولا موثقة فيمنع الانعطاف.
ومنها مالها زوائد من فوق ومن أسفل بها ينتظم الاتصال بينهما اتصالا مفصليا بنقر (2) في بعضها ورؤوس لقمية في بعض، ولبعضها زوائد من نوع آخر عريضة صلبة موضوعة على طولها للوقاية والجنة والمقاومة لما يصاك ولان ينتسج عليها رباطات.