مؤخرها لأنها غائبة عن حراسة الحواس.
وفي القحف ثقب كثيرة ليخرج منها أعصاب كثيرة، ويدخل فيها عروق وشرايين ويخرج منها الأبخرة الغليظة الممتنعة النفوذ في العظم فينقى بتحللها الدماغ وليتشبث بها الحجاب الثقيل الغليظ الآتي ذكره فيخف عن الدماغ. وأعظم ثقب فيه الذي من أسفل عند فقرة القفا، وهو يخرج النخاع. ويتصل بالقحف اللحى (1) الأعلى وهو الذي فيه الخدان والأذنان والأسنان العليا. ويتركب من أربعة عشر عظما يتصل بعضها ببعض بدروز. ثم اللحي الأسفل وهو الذي فيه الأسنان السفلى، إلا أنه لم يتصل به اتصال التحام وركز بل اتصال مفصل لاحتياجه إلى حركة، ويسمى موضع اتصاله به " الزرفين " وهو مركب - سوى الأسنان - من عظمين بينهما شان في وسط الذقن.
وتحت القحف من ناحية الخلف فيما بينه وبين اللحي الأعلى عظم مركوز قد ملئ به الخلل الحادث من تقسيم أشكال هذه العظام ويسمى بالوتد، فجميع عظام الرأس إذا عدت على ما ينبغي خلا الأسنان ثلاثة وعشرون عظما.
وأما الدماغ فخلقه الله سبحانه لينا دسما لينطبع المحسوسات فيه بسهولة ولتكون الأعصاب النابتة منه لدنا (2) لا ينكسر ولا ينقطع، وجعل مزاجه باردا رطبا لتنفعل القوى المودعة فيه عن مدركاتها، ولئلا يشتعل بالحرارة المتولدة فيه من الحركات الفكرية والخيالية، ولتعدل قوة الروح والحرارة الصاعدة إليه من القلب، وجعل مقدمه الذي هو منبت الأعصاب الحسية ألين من مؤخره الذي هو منبت الأعصاب الحركية، لان الحركة لا تحصل إلا بقوة، والقوة إنما تحصل بصلابة. وهو ذو قسمين طولا وعرضا لئلا تشمل الآفة جميع أجزائها، وفي طوله تجاويف ثلاثة يفضي بعضها إلى بعض تسمى بطون الدماغ، وهي محل الروح النفساني ومواضع الحواس ومقدمها أعظمها، ويتدرج إلى الصغر حتى يعود إلى قدر النخاع وشكله.