وإن مده العضل الموضوع في ظهره رجع إلى خلف، وإن مداه جميعا استوى وقام بينهما.
ثم إن مبدء الحس والحركة جميعا في الأعضاء قد يكون عصبة واحدة، وقد يكون اثنتين. ومبدئية العصب للحس والحركة إنما هو بسبب حمله للقوة اللامسة والقوة المحركة من جهة الروح الحيوانية المنبثة فيه من الدماغ. فالقوة اللامسة منبثة في جملة جلد البدن وأكثر اللحم والغشاء وغير ذلك بسبب انبثاث حاملها الذي هو الروح إلا ما يكون عدم الحس أنفع له كالكبد والطحال والكلية والرئة والعظم.
وتدرك هذه القوة الكيفيات الأول: الحرارة، والبرودة، والرطوبة، واليبوسة وتدرك أيضا الخفة والثقل والملاسة والخشونة والصلابة واللين والهشاشة والزوجة كلها بالمماسة.
وكذلك القوة المحركة منبثة في جميع الأعضاء بواسطة الروح المنبثة في العضلات، ثم لما كانت أسافل البدن وما بعد عن الدماغ يحتاج أن ينال الحس والحركة وكان نزول العصب إليها من الدماغ بعيد المسلك غير حريز ولا وثيق.
وأيضا لو نبتت الأعصاب كلها من الدماغ لاحتيج أن يكون الرأس أعظم مما هو عليه بكثير ولثقل على البدن حمله، فلذلك جعل الله - عز اسمه - في أسفل القحف ثقبا وأخر (1) منها شيئا من الدماغ وهو النخاع، وحصنه لشرفه وعزته بالعنق والصلب كما حصن الدماغ بالقحف، وأجراه في طول البدن وهو محصن موقي، وأنبت منه حين قارب وحاذى عضوا ما عصبا يخرج من ثقب في خرز العنق والصلب ويتصل بتلك الأعضاء التي يأتيها العصب من ذلك الموضع فيعطيها الحس والحركة بقوة مبدئهما الذي فيه.
فإن حدث على الدماغ حادثة عظيمة فقد البدن كله الحس والحركة، وإن حدثت على النخاع فقدتهما الأعضاء التي يجيئها العصب من ذلك الموضع وما دونه