محلة بني تميم فمر على دار تعرف بالقبيلة وهي أعلى دار بها وكانت لقطام بنت سخينة بن عوف بن تيم اللات، وكانت موصوفة بالحسن والجمال والبهاء والكمال، فلما سمعت كلامه بعثت إليه [و] سألته النزول عندها ساعة لتسأله عن أهلها، فلما قرب من منزلها وأراد النزول عن فرسه خرجت إليه، ثم كشفت له عن وجهها وأظهرت له محاسنها، فلما رآها أعجبته وهواها من وقته، فنزل عن فرسه ودخل إليها، و جلس في دهليز الدار وقد أخذت بمجامع قلبه، فبسطت له بساطا ووضعت له متكأ وأمرت خادمها أن تنزع أخفافه، وأمرت له بماء فغسل وجهه ويديه، وقدمت إليه طعاما، فأكل وشرب، وأقبلت عليه تروحه من الحر، فجعل لا يمل من النظر إليها، وهي مع ذلك متبسمة في وجهه، سافرة له عن نقابها، بارزة له عن جميع محاسنها ما ظهر منه وما بطن! فقال لها: أيتها الكريمة لقد فعلت اليوم بي ما وجب به بل ببعضه علي مدحك وشكرك دهري كله، فهل من حاجة أتشرف بها وأسعى في قضائها؟ قال: فسألته عن الحرب ومن قتل فيه، فجعل يخبرها ويقول: فلان قتله الحسن وفلان قتله الحسين، إلى أن بلغ قومها وعشيرتها، وكانت قطام لعنها الله على رأي الخوارج وقد قتل أمير المؤمنين عليه السلام في هذا الحرب من قومها جماعة كثيرة، منهم أبوها وأخوها وعمها، فلما سمعت منه ذلك صرخت؟؟ باكية، ثم لطمت خدها وقامت من عنده، ودخلت البيت وهي تندبهم طويلا، قال: فندم ابن ملجم، فلما خرجت إليه قالت: يعز علي فراقهم، من لي بعدهم؟ أفلا ناصر ينصرني ويأخذ لي بثأري ويكشف عن عاري؟ فكنت أهب له نفسي وأمكنه منها ومن مالي وجمالي، فرق لها ابن ملجم وقال لها: غضي صوتك وارفقي بنفسك فإنك تعطين مرادك، قال:
فسكتت من بكائها وطمعت في قوله، ثم أقبلت عليه بكلامها وهي كاشفة عن صدرها ومسبلة شعرها، فلما تمكن هواها من قلبه مال إليها بكليته، ثم جذبها إليه و قال لها: كان أبوك صديقا لي، وقد خطبتك منه فأنعم لي بذلك، فسبق إليه الموت فزوجيني نفسك لآخذ لك بثارك، قال: ففرحت بكلامه وقالت: قد خطبني الاشراف