يقدر الانسان في نفسه * أمرا ويأتيه عليه القضاء لا تأمنن الدهر في أهله * لكل عيش آخر وانقضاء بينا ترى الانسان في غبطة * يمسي وقد حل عليه القضاء ثم جعل يطيل النظر إليه حتى غاب عن عينه، وأطرق إلى الأرض يقول:
إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال: وسار ابن ملجم حتى وصل إلى دار قطام، وكانت قد أيست من رجوعه إليها، وعرضت نفسها على بني عمها وعشيرتها وشرطت عليهم قتل أمير المؤمنين عليه السلام فلم يقدم أحد على ذلك، فلما طرق الباب قالت: من الطارق؟ قال: أنا عبد الرحمن ففرحت قطام به وخرجت إليه واعتنقته وأدخلته دارها، وفرشت له فرش الديباج وأحضرت له الطعام والمدام، فأكل وشرب حتى سكر، وسألته عن حاله فحدثها بجميع ما جرى له في طريقه، ثم أمرته بالاغتسال وتغيير ثيابه، ففعل ذلك، وأمرت جارية لها ففرشت الدار بأنواع الفرش، وأحضرت له شرابا وجواري، فشرب مع الجوار وهن يلعبن له بالعيدان والمزامير والمعازف والدفوف، فلما أخذ الشراب منه أقبل عليها وقال: ما بالك لا تجالسيني ولا تحادثيني يا قرة عيني؟ ولا تمازحيني!
فقالت له: بلى سمعا وطاعة، ثم إنها نهضت ودخلت إلى خدرها، ولبست أفخر ثيابها وتزينت وتطيبت وخرجت إليه، وقد كشفت له عن رأسها وصدرها ونهودها (1) وأبرزت له عن فخذيها، وهي في طاق غلالة (2) رومي يبين له منها جميع جسدها وهي تتبختر في مشيتها، والجوار حولها يلعبن، فقام الملعون وأعتنقها وترشفها و حملها حتى أجلسها مجلسها، وقد بهت وتحير، واستحوذ عليه الشيطان، فضربت بيدها على زر قميصها فحلته، وكان في حلقها عقد جوهر ليست له قيمة، فلما أراد مجامعتها لم تمكنه من ذلك، فقال: لم تمانعيني عن نفسك وأنا وأنت على العهد الذي