فقالا له: كأنك من أصحاب أبي تراب؟ قال: نعم، فاحمرت أعينهما غيظا، وعزما على قتله ليلا، وأسرا ذلك ونهضا، فتبين له ما عزما عليه وندم على كلامه، فبينما هو متحير إذ أقبل كلبهم ونام قريبا منهم، فأقبل اللعين يمسح بيده على الكلب و يشفق عليه ويقول: مرحبا بكلب قوم أكرموني، فاستحسنا ذلك وسألاه: ما اسمك قال: عبد الرحمن بن ملجم، فقالا له: ما أردت بصنعك هذا في كلبنا؟ فقال: أكرمته لأجلكم حيث أكرمتموني، فوجب علي شكركم، وكان هذا منه خديعة ومكرا، فقالا الله أكبر الآن والله وجب حقك علينا، ونحن نكشف لك عما في ضمائرنا، نحن قوم نرى رأي الخوارج، وقد قتل أعمامنا وأخوالنا وأهالينا كما علمت، فلما أخبرتنا أنك من أصحابه عزمنا على قتلك في هذه الليلة، فلما رأينا صنعك هذا بكلبنا صفحنا عنك. ونحن الآن نطلعك على ما قد عزمنا عليه، فسألهما عن أسمائهما فقال أحدهما: أنا البرك بن عبد الله التميمي وهذا عبد الله بن عثمان العنبري صهري وقد نظرنا إلى ما نحن عليه في مذهبنا (1) فرأينا أن فساد الأرض والأمة كلها من ثلاثة نفر، أبو تراب ومعاوية وعمرو بن العاص، فأما أبو تراب فإنه قتل رجالنا كما رأيت، وافتكرنا أيضا في الرجلين معاوية وابن العاص وقد وليا علينا هذا الظالم الغشوم بشر بن أرطاة، يطرقنا في كل وقت ويأخذ أموالنا، وقد عزمنا على قتل هؤلاء الثلاثة، فإذا قتلناهم توطأت الأرض، وأقعد الناس لهم إماما يرضونه، فلما سمع ابن ملجم كلامهما صفق بإحدى يديه على الأخرى وقال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة وتردى بالعظمة إني لثالثكما، وإني مرافقكما على رأيكما وإني (2) أكفيكما أمر علي بن أبي طالب، فنظرا إليه متعجبين من كلامه، قال: والله ما أقول لكما إلا حقا، ثم ذكر لهما قصته، فلما سمعا كلامه عرفا صحته وقالا: إن قطام من قومنا، وأهله كانوا من عشيرتنا، فنحن نحمد الله على اتفاقنا، فهذا لا يتم إلا
(٢٦٩)