رجلا لم يصنع بي شيئا؟
فلما انصرف عليه السلام إلى منزله اجتمعت الشيعة وأخبر بعضهم بعضا بما سمعوا وقالوا: إن أمير المؤمنين عليه السلام يغلس إلى الجامع (1) وقد سمعتم خطابه لهذا المرادي وهو ما يقول إلا حقا، وقد علمتم عدله وإشفاقه علينا، ونخاف أن يغتاله هذا المرادي، فتعالوا نقترع على أن نحوطه كل ليلة منا قبيلة، فرقعت القرعة في الليلة الأولى والثانية والثالثة على أهل الكناس، فتقلدوا سيوفهم وأقبلوا في ليلتهم إلى الجامع، فلما خرج عليه السلام رآهم على تلك الحالة، فقال: ما شأنكم؟ فأخبروه فدعا لهم وتبسم ضاحكا وقال: جئتم تحفظوني من أهل السماء أم من أهل الأرض؟
قالوا: من أهل الأرض، قال: ما يكون شئ في السماء إلا هو في الأرض، وما يكون من شئ في الأرض إلا هو في السماء، ثم تلا " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا (2) " ثم أمر هم أن يأتوا منازلهم ولا يعودوا لمثلها، ثم إنه صعد المأذنة وكان إذا تنحنح يقول السامع: ما أشبهه بصوت رسول الله صلى الله عليه وآله! فتأهب الناس لصلاة الفجر، و كان إذا أذن يصل صوته إلى نواحي الكوفة كلها، ثم نزل فصلى، وكانت هذه عادته.
قال: وأقام ابن ملجم بالكوفة إلى أن خرج أمير المؤمنين عليه السلام إلى غزاة النهروان، فخرج ابن ملجم معه وقاتل بين يديه قتالا شديدا، فلما رجع إلى الكوفة وقد فتح الله على يديه قال ابن ملجم لعنه الله: يا أمير المؤمنين أتأذن لي أن أتقدمك إلى المصر لأبشر أهله بما فتح الله عليك من النصر؟ فقال له: ما ترجو بذلك؟
قال: الثواب من الله والشكر من الناس، وافرح الأولياء واكمد الأعداء، فقال له: شأنك، ثم أمر له بخلعة سنية وعمامتين وفرسين وسيفين ورمحين، فسار ابن ملجم ودخل الكوفة، وجعل يخترق أزقتها وشوارعها وهو يبشر الناس بما فتح الله على أمير المؤمنين عليه السلام وقد دخله (3) العجب في نفسه، فانتهى به الطريق إلى