فلما جلسوا دفعوا إليه الكتاب، ففضه وقرأه وسر بما فيه، فأمر لكل واحد منهم بحلة يمانية ورداء عدنية وفرس عربية، وأمر أن يفتقدوا ويكرموا، فلما نهضوا قام ابن ملجم ووقف بين يديه وأنشد:
أنت المهيمن والمهذب ذو الندى * وابن الضراغم في الطراز الأول الله خصك يا وصي محمد * وحباك فضلا في الكتاب المنزل وحباك بالزهراء بنت محمد * حورية بنت النبي المرسل ثم قال: يا أمير المؤمنين ارم بنا حيث شئت لترى منا ما يسرك، فوالله ما فينا إلا كل بطل أهيس، وحازم أكيس، وشجاع أشوس (1) ورثنا ذلك عن الآباء والأجداد، وكذلك نورثه صالح الأولاد، قال: فاستحسن أمير المؤمنين عليه السلام كلامه من بين الوفد فقال له: ما اسمك يا غلام؟ قال: اسمي عبد الرحمن، قال: ابن من؟
قال: ابن ملجم المرادي، قال له: أمرادي أنت؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، فقال عليه السلام: إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قال: وجعل أمير المؤمنين عليه السلام يكرر النظر إليه ويضرب إحدى يديه على الأخرى ويسترجع، ثم قال له: ويحك أمرادي أنت؟ قال: نعم، فعندها تمثل عليه السلام يقول:
أنا أنصحك مني بالوداد * مكاشفة وأنت من الأعادي أريد حياته ويريد قتلي * عذيرك من خليلك من مراد قال الأصبغ بن نباته: لما دخل الوفد إلى أمير المؤمنين عليه السلام بايعوه وبايعه ابن ملجم، فلما أدبر عنه دعاه أمير المؤمنين عليه السلام ثانيا، فتوثق منه بالعهود و المواثيق أن لا يغدر ولا ينكث ففعل، ثم سار عنه، ثم استدعاه ثالثا ثم توثق منه فقال ابن ملجم: يا أمير المؤمنين ما رأيتك فعلت هذا بأحد غيري، فقال: امض لشأنك فما أراك تفي بما بايعت عليه، فقال له ابن ملجم: كأنك تكره وفودي عليك لما سمعته من اسمي؟ وإني والله لأحب الإقامة معك والجهاد بين يديك، و