السم في رأسه وبدنه وثار جميع من في المسجد في طلب الملعون، وماجوا بالسلاح فما كنت أرى إلا صفق الأيدي على الهامات وعلوا الصرخات، وكان ابن ملجم ضربه ضربة خائفا مرعوبا، ثم ولى هاربا وخرج من المسجد، وأحاط الناس بأمير المؤمنين عليه السلام وهو في محرابه يشد الضربة ويأخذ التراب ويضعه عليها، ثم تلا قوله تعالى: " منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى (1) " ثم قال عليه السلام: جاء أمر الله وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله ثم إنه لما ضربه الملعون ارتجت الأرض وماجت البحار والسماوات، واصطفقت أبواب الجامع، قال: وضربه اللعين شبيب بن بجرة فأخطأه ووقعت الضربة في الطاق.
قال الراوي: فلما سمع الناس الضجة ثار إليه كل من كان في المسجد، وصاروا يدورون ولا يدرون أين يذهبون من شدة الصدمة والدهشة، ثم أحاطوا بأمير المؤمنين عليه السلام وهو يشد رأسه بمئزره، والدم يجري على وجهه ولحيته، وقد خضبت بدمائه وهو يقول: هذا ما وعد الله ورسوله وصدق الله ورسوله.
قال الراوي: فاصطفقت أبواب الجامع، وضجت الملائكة في السماء بالدعاء، وهبت ريح عاصف سوداء مظلمة، ونادى جبرئيل عليه السلام بين السماء والأرض بصوت يسمعه كل مستيقظ: " تهدمت والله أركان الهدى، وانطمست والله نجوم السماء و أعلام التقى، وانفصمت والله العروة الوثقى، قتل ابن عم محمد المصطفى، قتل الوصي المجتبى، قتل علي المرتضى، قتل والله سيد الأوصياء، قتله أشقى الأشقياء " قال:
فلما سمعت أم كلثوم نعي جبرئيل فلطمت على وجهها وخدها وشقت جيبها و صاحت: وا أبتاه وا علياه وا محمداه وا سيداه، ثم أقبلت إلى أخويها الحسن والحسين فأيقظتهما وقالت لهما: لقد قتل أبوكما: فقاما يبكيان، فقال لها الحسن عليه السلام:
يا أختاه كفي عن البكاء حتى نعرف صحة الخبر كيلا تشمت الأعداء فخرجا فإذا الناس ينوحون وينادون: وا إماماه وا أمير المؤمنيناه، قتل والله إمام عابد مجاهد