قطام لعنهما الله، وكانت تلك الليلة ليلة تسع عشرة من شهر رمضان.
قالت أم كلثوم بنت أمير المؤمنين صلوات الله عليه: لما كانت ليلة تسع عشرة من شهر رمضان قدمت إليه عند إفطاره طبقا فيه قرصان من خبز الشعير وقصعة فيها لبن وملح جريش (1)، فلما فرغ من صلاته أقبل على فطوره، فلما نظر إليه وتأمله حرك رأسه وبكى بكاءا شديدا عاليا، وقال: يا بنية ما ظننت أن بنتا تسوء أباها كما قد أسأت أنت إلي، قالت: وماذا يا أباه؟ قال: يا بنية أتقدمين إلى أبيك إدامين في فرد طبق واحد؟ أتريدين أن يطول وقوفي غدا بين يدي الله عز وجل يوم القيامة أنا أريد أن أتبع أخي وابن عمي رسول الله صلى الله عليه وآله ما قدم إليه إدامان في طبق واحد إلى أن قبضه الله، يا بنية ما من رجل طاب مطعمه ومشربه وملبسه إلا طال وقوفه بين يدي الله عز وجل يوم القيامة، يا بنية إن الدنيا في حلالها حساب وفي حرامها عقاب وقد أخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله أن جبرئيل عليه السلام نزل إليه ومعه مفاتيح كنوز الأرض وقال: يا محمد السلام يقرؤك السلام ويقول لك: إن شئت صيرت معك جبال تهامة ذهبا وفضة، وخذ هذه مفاتيح كنوز الأرض ولا ينقص ذلك من حظك يوم القيامة، قال: يا جبرئيل وما يكون بعد ذلك؟ قال: الموت، فقال: إذا لا حاجة لي في الدنيا، دعني أجوع يوما وأشبع يوما، فاليوم الذي أجوع فيه أتضرع إلى ربي وأسأله، واليوم الذي أشبع فيه أشكر ربي وأحمده، فقال له جبرئيل: وفقت لكل خير يا محمد.
ثم قال عليه السلام: يا بنية الدنيا دار غرور ودار هوان، فمن قدم شيئا وجده، يا بنية والله لا آكل شيئا حتى ترفعين أحد الإدامين، فلما رفعته تقدم إلى الطعام فأكل قرصا واحدا بالملح الجريش، ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قام إلى صلاته فصلى ولم يزل راكعا وساجدا ومبتهلا ومتضرعا إلى الله سبحانه، ويكثر الدخول و الخروج وهو ينظر إلى السماء وهو قلق يتململ، ثم قرأ سورة " يس " حتى ختمها،