قال: ثم رفع رأسه وجلس بقدر التشهد (1) ثم إنه سلم فيما أحسب تلقاء وجهه، ثم مضى فمشى على الماء، فناديته من خلفه: كلمني يرحمك الله، فلم يلتفت وقال: الهادي خلفك فاسأله عن أمر دينك، قال: قلت: من هو يرحمك الله؟ قال:
وصي محمد صلى الله عليه وآله من بعده، فخرجت متوجها إلى الكوفة فأمسيت دونها، فبت قريبا من الحيرة، فلما جن لي (2) الليل إذ أنا برجل قد أقبل حتى استتر برابية (3)، ثم صف قدميه فأطال المناجاة، فكان فيما قال: اللهم إني سرت فيهم بما أمرني رسولك وصفيك فظلموني، وقتلت المنافقين كما أمرتني فجهلوني. وقد مللتهم وملوني و أبغضتهم وأبغضوني، ولم تبق خله أنتظرها إلا المرادي، اللهم فعجل له الشقاء (4) وتغمدني بالسعادة، اللهم قد وعدني نبيك أن تتوفاني إليك إذا سألتك، اللهم وقد رغبت إليك في ذلك، ثم مضى، فتبعته (5) فدخل منزله، فإذا هو علي بن أبي طالب عليه السلام قال: فلم ألبث إذ نادى المنادي بالصلاة، فخرج وتبعته حتى دخل المسجد فعمه ابن ملجم لعنه الله بالسيف (6).
55 - تنبيه الخاطر: لما احتضر أمير المؤمنين عليه السلام جمع بنيه حسنا وحسينا ومحمد بن الحنفية والأصاغر من ولده فوصاهم (7) وكان في آخر وصيته: يا بني عاشروا الناس عشرة إن غبتم حنوا إليكم وإن فقدتم بكوا عليكم، يا بني إن القلوب جند (8) مجندة تتلاحظ بالمودة وتتناجى بها، وكذلك هي في البغض، فإذا أحسستم من