الناس! دلوني على أولاد محمد، فأشار بعضهم وقال: مالك؟
قال: أنا فلان بن فلان، قالوا: كذبت إن فلانا كان صحيح البدن، صبيح الوجه، وأنت شديد السواد، غابر الخلق.
قال: وحق محمد إني لفلان، اسمعوا حديثي، اعلموا اني كنت جمال الحسين - عليه السلام -، فلما أن صرنا إلى بعض المنازل، برز للحاجة وأنا معه، فرأيت تكة لباسه، وكان أهداها له ملك فارس حين تزوج بنت أخيه شاه زنان بنت يزدجرد، فمنعني هيبته أن أسأله إياها، فدرت حوله لعل أن أسرقها فلم أقدر عليها.
فلما صار القوم بكربلاء، وجرى ما جرى، وصارت أبدانهم ملقاة تحت سنابك الخيل، وأقبلنا نحو الكوفة راجعين، فلما أن صرت إلى بعض الطريق، ذكرت التكة فقلت في نفسي: قد خلا ما عنده.
فصرت إلى موضع المعركة، فقربت منه، فإذا هو مرمل بالدماء، قد جز رأسه من قفاه، وعليه جراحات كثيرة من السهام والرماح، فمددت يدي إلى التكة، وهممت أن أحل عقدها، فرفع يده وضرب بها يدي، فكادت أوصالي وعروقي تتقطع.
ثم أخذ التكة من يدي فوضعت رجلي على صدره، وجهدت جهدي لأزيل إصبعا من أصابعه فلم أقدر، فأخرجت سكينا كان معي، فقطعت أصابعه، ثم مددت يدي إلى التكة، وهممت بحلها ثانية، فرأيت خيلا أقبلت من نحو الفرات، وشممت رائحة لم أشم رائحة أطيب منها.
فلما رأيتهم قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، إنما أقبلوا هؤلاء لينظروا إلى كل إنسان به رمق، فصرت بين القتلى وغاب عني عقلي من شدة