أقبلت في تلك السنة، أريد الحج إلى بيت الله الحرام، فدخلت الكوفة، فوجدت الأسواق معطلة، والدكاكين مغلقة، والناس مجتمعون خلقا كثيرا، حلقا حلقا، منهم من يبكي سرا، ومنهم من يضحك جهرا.
فتقدمت إلى شيخ منهم، وقلت له: يا شيخ ما نزل بكم، أراكم مجتمعين كتائب، ألكم عيد لست أعرفه للمسلمين؟ فأخذ بيدي، وعدل بي ناحية عن الناس، وقال: يا سيدي مالنا عيد، ثم بكى بحرقة ونحيب.
فقلت: أخبرني يرحمك الله، قال: بسبب عسكرين، أحدهما منصور، والآخر مهزوم مقهور.
فقلت: لمن هذان العسكران؟
فقال: عسكر ابن زياد وهو ظافر منصور، وعسكر الحسين بن علي - عليهما السلام - وهو مهزوم مكسور، ثم قال: وا حرقتاه أن يدخل علينا رأس الحسين، فما استتم كلامه إذ سمعت البوقات تضرب، والرايات تخفق، قد أقبلت فمددت طرفي، وإذا بالعسكر قد أقبل ودخل الكوفة.
فلما انقضى دخوله، سمعت صيحة عالية، وإذا برأس الحسين - عليه السلام -، قد أقبل على رمح طويل، وقد لاحت شواربه، والنور يخرج ساطعا من فيه، حتى يلحق بعنان السماء.
فخنقتني العبرة لما رأيته، وأقبلت من بعده أم كلثوم، عليها وعلى آبائها السلام، وعليها برقع خز أدكن، وهي تنادي: يا أهل الكوفة، نحن والله سبايا الحسين غضوا أبصاركم عن النظر إلينا، معاشر الناس، أما تستحيون من الله ورسوله؟ تنظرون إلى حريم نبيكم رسول الله - صلى الله عليه