حتى لو تفحص عنهم في المدن والأصقاع، لوجد من مبرزيهم ما يملأ الأسماع لكن تستروا من شناعة الرفض فيهم، واختفوا خوفا من فتوى علماء السوء بقتلهم وأما عوامهم فحصلت لهم هذه الأمور بضرورة عقولهم، حيث فهموا ورودها عن قوم لا يمكن على الكذب تواطؤهم، لتباعد أوطانهم، حتى أنه يمكن إيراد ذلك من البله والعجايز وغيرهم، والعجب أن خصومنا أجمعوا على وجوب قبول خبر الواحد العدل ظاهرا ولم يقبلوا في النصوص المائتين ولا الألف، لكون ذلك لهوائهم غير مألوف.
إن قالوا: مسألة الإمامة من العلميات، فلا يمكن فيها خبر الواحد، لأنه من الظنيات.
أجاب الإمام قطب الدين الكيدري في كتاب بصائر الأنس في الإمامة بأنه قد روي عن الأئمة أحاديث في الشرعيات، يجب عليكم قبولها فهلا استدللتم بوجوب قبولها على وجوب إمامة ناقليها.
وفي هذا الجواب نظر فإن قبول الخبر أعم من وجوب اعتقاد الإمامة، ولو وجب ذلك وجب اعتقاد الإمامة لكل مخبر، إلا أن يقال: جزمهم بقبولها دال على جزمهم بصدق مصدرها وذلك هو المعصوم، فهو الإمام.
والحق في الجواب أن عندكم مسألة الإمامة ليست من أركان الدين، بل من فروعه، فالتزموا حجيتها من الآحاد، ولهذا جوزتم عقد الإمامة لأبي بكر بقوم لم يبلغوا حد التواتر، على أنه قد صح لنا بحمد الله التواتر في ذلك من طريقي الخاصة والعامة وسنورده قريبا إن شاء الله.
قالوا: كيف تواتر عندكم ولم يصل إلينا؟ قلنا: قد شرط المرتضى في العلم التواتري عدم سبق شبهة إلى سامعه، تمنع من حصوله، وقد بيناها فيكم.