لما فيه من تقوية قولهم وتصحيحه [قلنا] لو حدث في الجم الغفير ذلك لكان عن اجتماع وتوافق، ولا يخفى على أحد ما هذا شأنه، فلما لم تحدث تلك النصوص، علمنا أنها لم تقع عن تواطؤ.
إن قيل: جاز أن يضعها واحد ويكتمه ليتم استدلاله، قلنا: لا يلزم من كتمانه عدم معرفة زمانه.
إن قيل: فقد ابتدعت صنائع ومذاهب لم يعرف زمانها. قلنا: فقد عرف ابتداعها، ولو عرف زمانها لم يحكم بابتداعها.
إن قيل: يجوز أن يدعوهم داع واحد إلى افترائه. فلا يحتاج إلى اجتماعهم فلا يظهر الافتراء [قلنا] لو افتعلوه بغير إجماع لاختلف ألفاظ النصوص فإن الداعي الواحد لا يوجب اتفاق الألفاظ، ولما نقلت الشيعة في النصوص ألفاظا متفقة، علمنا أنها ليست عن داع واحد، بل اتفاق الألفاظ إما لاجتماعهم ومثله لا يخفى إذ هو من المهمات التي يتوفر دواعي المخالف إلى نقلها، فإذا بطل الداعي الواحد لها وعلم الاتفاق في ألفاظها علم أن النبي مصدرها، فلهذا كل من ترك الهوى، و الميل إلى الدنيا، أذعن لقبولها، لعلمه باستمرار شرائط التواتر فيها.
إن قيل: لا يمتنع اتفاق الألفاظ مع تباعد البلدان كما في المواردة، فإن امرء القيس وطرفة اتفقا في بيت مع تباعدهما، فلما تنافسا فيه أحضر طرفة خطوط أهل بلده، فكان اليوم نظما فيه واحدا:
وقوف بها صحبي علي مطيهم * يقولون لا تهلك أسى وتجلدا قال طرفة: وتجلد. قلنا: لا شك أن ذلك من أندر الأشياء وقوعا، ولولا ندوره لم يختصما فيه، ولما اتفقت ألفاظ النصوص التي ملأت الأقطار، علم أنها ليست عن داع واحد بلا إنكار.
إن قيل: فالنصوص التي تذكرونها إن صدرت عن النبي صلى الله عليه وآله في قوم قليلين فلا تواتر لعدم الكثرة المعتبرة فيه عنهم، وإن صدرت في كثيرين وجب اشتهارها لكونها أمرا عظيما في الدين، ولو اشتهرت امتنع إنكارها من التابعين.