ولما جاءت النوبة إلى جامع الكتاب، أنشأ يقول في هذا الباب:
علي أمير المؤمنين صريمة * ففي الوحي والأخبار ما فيه مقنع رواها الموالي والمولي فلم يكن * لمنكرها عنها محيد ومرجع سوى بغضه الموروث من شر سالف * وأنف الذي لا يتبع الحق يجدع ويصلى عذابا واصبا ومؤبدا * يجر إليه كارها يتدفع تذنيب: أسند صاحب المراصد إلى سهل الساعدي أن النبي صلى الله عليه وآله دخل على فاطمة عليها السلام وقال: أين ابن عمك؟ قالت: جرى بيننا كلام وخرج، فقال صلى الله عليه وآله:
مه لا تعودي إلى مثله، فإن رضا علي رضا الله، وغضبه غضب الله، ثم خرج في طلبه فوجده نائما والتراب على ظهره، فنفضه بيده، وقال: قم يا أبا تراب، ودخلا على فاطمة عليها السلام فطافت حول علي سبع مرات قائلة: نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله وغضب وصيه، حتى سكن غضبه، فما كان إلى علي اسم أحب إليه من أبي تراب.
(8) فصل في قول النبي صلى الله عليه وآله: (أنت مني وأنا منك) في مقام بعد مقام حتى شاع ذلك وظهر، وذاع واشتهر، دليل على إمامته واستحقاقه لخلافته، لأن (من) هنا ليست لابتداء الغاية، وإلا لكان كل منهما مبدءا للآخر، وهو دور، ولا للتبعيض وإلا لكان كل منهما جزءا للآخر، وهو دور، نعم قد يحمل ذلك على لازم الجزء من إرادة حراسته ودفع الأذية عنه والسعي في إيصال المنافع إليه، والاشفاق التام عليه.
ولا زائدة وإلا لكان كل منهما هو الآخر، وهو اتحاد، وليست بمعنى اللام كقوله تعالى: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق (1)) أي: لأجل إملاق وإلا لكان كل منهما علة للآخر، وهو دور، ولا غير ذلك فلم يبق إلا أنها للجنسية، ومن ثبتت له المجانسة المشابهة بخير البشر، فالاتباع له والاقتداء به أجدر.