قال بعض العلماء: ومن ردائة هذه النفس جهلها انها إذا همت بمعصية، أو انبعث لها شهوة لو تشفعت إليها بالله تعال ثم برسوله وبجميع أنبيائه، وكتبه وبجميع الملائكة المقربين، وتعرض عليها الموت والقبر والقيامة والجنة والنار لا تعطى القياد ولا تسكن، ولا تترك الشهوة، ثم استقبلها بمنع رغيف أو اعطاء رغيف تسكن وتترك شهوتها لتعلم خستها وجهلها. وإياك ان تغفل عنها طرفة عين فإنها كما قال خالقها (ان النفس لا مارة بالسوء الا ما رحم ربى) وكفى بهذا تنبيها لمن عقل، فألجمها بالتقوى، وقدها بزمام الرجا، وسقها بسوط الخوف واما التقوى فلتتقيد بها عن الجموع والنفار، واما الخوف فإنما يجب التزامه لامرين: الأول لتزجر به عن المعاصي فإنها أمارة بالسوء ميالة إلى الشر، ولا تنتهي عن ذلك الا بتخويف عظيم وتهديد. الثاني لئلا تعجب بالطاعة والعجب من المهلكات بل تقمعها بالذم والعيب والنقص وما اكتسب به من الأوزار والخطايا التي توجب الخزي والنار.
واما الرجاء فإنما يلزم لامرين: الأول ليبعث على الطاعات لان الخير ثقيل والشيطان عنه زاجر، والنفس ميالة إلى الكسل والبطالة، الثاني ليهون عليك احتمال المشقات والشدائد لان من عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل ألا ترى مشتار العسل؟
لا يتفكر بلسع النحل لما يتذكر من حلاوة العسل، والفاعل يعمل طول نهاره بالجهد الشديد ويجد لذلك لذة من اجل أخذ الأجرة، والفلاح لا يتفكر بمقاساة الحر والبرد ومباشرة الشقاء والكد طول السنة لما يتذكر من البذر (البيدر) فاجهد أيها الواعي على الغاية القصوى، واصبر على الألم والبلوى. (1)