قس عملك جملته إلى آحاد ما تتصرف فيه من نعمه من مأكل ومشرب لا تجده ناهضا باليسير من ذلك.
روى أن بعض الوعاظ دخل يوما على هارون الرشيد فقال له: عظني فقال: يا أمير المؤمنين أتراك لو منعت شربة من ماء عند عطشك بم كنت تشتريها؟ قال بنصف ملكي فقال يا أمير المؤمنين أتراها لو حبست عنك عند خروجها بم كنت تشتريها؟ قال: بنصف الباقي، قال: فلا يغرنك ملك قيمته شربة ماء. فيا هذا كم تتناول في يومك وليلتك؟ وأنت ترى الأجير يعمل طول النهار بدرهمين، والحارس يسهر جملة الليل بدانقين، وكذلك أصحاب الصناعات والحرف كالطباخ والخباز تراهم يعملون جملة النهار وطرفي الليل وقيمة ذلك دراهم معدودة، وإذا صرفت الفعل إلى الله تعالى فصمت يوما واحدا قال: الصوم لي وانا اجزى به قال تبارك وتعالى: أعددت لعبادي ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر بقلب بشر (١).
هذا يومك الذي قيمته درهمان مع احتمال التعب العظيم صار له هذه القيمة بنسبته إلى الله. ولو قمت ليلة لله تعالى قال ﴿فلا تعلم نفس ما اخفى لهم من قر ة أعين جزاء بما كانوا يعملون﴾ (2) فهذا الذي قيمته دانقان، ولو سجدت لله سجدة حتى غشيك فيه النعاس باهى الله بك الملائكة، وكم قيمة زمان السجدة؟ مع ما حصل فيها من النوم والغفلة، لكن لما نسبت إلى الحق جل جلاله بلغت قيمته من الجلالة والنفاسة هذا المقدار بل لو جعلت لله ساعة تصلى فيها ركعتين خفيفتين، بل نفسا تقول فيه، لا إله إلا الله قال الله تعالى (ومن يعمل من الصالحات من ذكرا وأنثى فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب) (3).