وهكذا دواليك، وما ذاك بمستبعد ولا بمستغرب، فإن في هذا الأمر ما يوافق هوى الحكومات المتلاحقة، والتي حاولت جاهدة أن ترسم خطوط التاريخ بعيدا عن مرتكزاته الأساسية والتي تشكل النقيض المضاد لوجودهم اللقيط، والخطر الأكبر أمام أحلامهم السقيمة.
إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يرحل عن هذه الدنيا حتى بين للأمة سبيل نجاتها، ومرتكز عقائدها، والسبيل القويم الذي ترتبط به كل الابعاد وإن تنافرت.
نعم إن الأئمة من أهل البيت عليهم السلام ورغم ما جهدت أقلام المستأجرين وسيوف أسيادهم الظالمين من العمل على تجاهلهم، رغم أن ذلك يخالف ما أقروه في صحاحهم من أفضليتهم وعلو شانهم - هم بلا شك قطب الرحى، ومركز حركة التاريخ، والمرجع القويم في فهم كل ما يحيط بهم من أحداث، أسوة بجدهم رسول الله صلى الله عليه وآله، وما هذا التخبط والضياع إلا ثمرة واضحة لقلب موازين الحقائق والعدو خلف السراب.
ولكن ورغم كل ما أحاط عملية كتابه التاريخ من كذب وتزوير وقهر وتنكيل، فإن هذا لم يمنع من أن يعمد البعض إلى اعتماد المنهج العلمي الرصين في كتابة التاريخ، وأن ترث منهم الأجيال اللاحقة صفحات بيضاء ناصعة لا تشوبها أدران التعصب ولا التحزب.
ولعل كتاب الارشاد لشيخنا المفيد رحمه نموذج حي - مع غيره من النماذج القديرة لرجالات الشيعة الأفذاذ - في رسم صورة التعامل العلمي والصحيح مع التاريخ باعتماد المنهج العقائدي الذي اختطه لأمته رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ولا غرابة في ذلك، فالشيخ المفيد يعد باتفاق الموالف والمخالف شيخ أساتذة الكلام، وصاحب الآراء المجددة، في وقت شهد فيها العالم الاسلامي