السلام ولا ساواه في معناها ولا قاربه فيها على حال، ولو علم الله تعالى أن بنبيه عليه السلام في هذه الغزاة حاجة إلى الحرب والأنصار، لما أذن له في تخليف أمير المؤمنين عليه السلام عنه حسب ما قدمناه، بل علم أن المصلحة في استخلافه، وأن إقامته في دار هجرته مقامه أفضل الأعمال، فدبر الخلق والدين بما قضاه في ذلك وأمضاه، على ما بيناه وشرحناه.
فصل ولما عاد رسول الله صلى الله عليه وآله من تبوك إلى المدينة قدم عليه عمرو بن معدي كرب فقال له النبي صلى الله عليه وآله: " أسلم - يا عمرو - يؤمنك الله من الفزع الأكبر " فقال: يا محمد، وما الفزع الأكبر، فإني لا أفزع!؟ فقال: " يا عمرو، إنه ليس مما تحسب وتظن، إن الناس يصاح بهم صيحة واحدة، فلا يبقى ميت إلا نشر ولا حي إلا مات، إلا ما شاء الله، ثم يصاح بهم صيحة أخرى، فينشر من مات ويصفون جميعا، وتنشق السماء وتهد الأرض وتخر الجبال، وتزفر النيران (1) وترمي بمثل الجبال شررا، فلا يبقى ذو روح إلا انخلع.
قلبه وذكر ذنبه وشغل بنفسه، إلا ما شاء الله، فأين أنت - يا عمرو - من هذا؟ " قال: ألا إني أسمع أمرا عظيما، فآمن بالله ورسوله، وآمن معه من قومه ناس، ورجعوا إلى قومهم.
ثم إن عمرو بن معدي كرب نظر إلى أبي بن عثعث الخثعمي