الكريم قد فتح الباب على مصراعيه أمام عموم المسلمين لتدارس حياة الأمم السالفة والغابرة، كمناهج أكاديمية وتربوية لتلافي موارد العطب ومواضع الهلكة، كما أشار إليه قوله تعالى: ﴿ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين﴾ (١).
وقال تعالى ﴿فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد * أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها﴾ (2).
وغير ذلك من الآيات الكريمة التي يصعب حصرها وإيرادها هنا.
وبذا فقد أوقد القرآن في مخيلة المسلم المتدبر في آياته فكرة البحث والتنقيب عن حياة الأمم السالفة، والتي أشار إليها كتاب الله تعالى تلميحا وتذكيرا، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال التشمير والبحث الجاد والرصين لاستحصال حكاية ما مضى وغاص في رمال أرض الجزيرة وما يحيط بها من امتدادات سحيقة مترامية الأطراف.
ولما كانت الدعوة الإسلامية طرية وأعوادها غضة لم تنل منها سني الشيخوخة شيئا، فلم تكن كتابة تأريخها بمتعسرة ولا شاقة أبدا، ولا يعسر على الباحثين والمؤرخين وضع اللبنات الأساسية لتاريخ إسلامي متكامل يبقى زادا ومعاشا دينيا ودنيويا للأجيال اللاحقة والدهور المتعاقبة، حتى يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، هذا إذا اقترن مداد كاتبيه بالصدق والأمانة، وتجاوز التحزب والتعصب، والحرص على التمسك بكلمة الحق رغم مشقة المخاض، وهذا ما لم يوفق له معظم كتبة التاريخ وصانعي أسس بنائه الشامخ، فتوارثته