النكال ما جرى عليهم من ذلك، فقتلوا بالفتك والغيلة والاحتيال، وبني على كثير منهم - وهم أحياء - البنيان، وعذبوا بالجوع والعطش حتى ذهبت أنفسهم على الهلاك، وأحوجهم ذلك إلى التمزق في البلاد، ومفارقة الديار والأهل والأوطان، وكتمان نسبهم عن أكثر الناس.
وبلغ بهم الخوف إلى الاستخفاء من أحبائهم فضلا عن الأعداء، وبلغ هربهم من أوطانهم إلى أقصى الشرق والغرب والمواضع النائية في العمران، وزهد في معرفتهم أكثر الناس، ورغبوا عن تقريبهم والاختلاط بهم، مخافة على أنفسهم وذراريهم من جبابرة الزمان.
وهذه كلها أسباب تقتضي انقطاع نظامهم، واجتثاث أصولهم، وقلة عددهم. وهم مع ما وصفناه أكثر ذرية أحد من الأنبياء والصالحين والأولياء، بل أكثر من ذراري كل أحد من الناس، قد طبقوا بكثرتهم البلاد، وغلبوا في الكثرة على ذراري أكثر العباد، هذا مع اختصاص مناكحهم في أنفسهم دون البعداء، وحصرها في ذوي أنسابهم دنية من الأقرباء، وفي ذلك خرق العادة على ما بيناه، وهو دليل الآية الباهرة في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام كما وصفناه وبيناه، وهذا ما لا شبهة فيه، والحمد لله.
فصل ومن آيات الله عز وجل الباهرة فيه عليه السلام والخواص التي أفرده بها، ودل بالمعجز منها على إمامته ووجوب طاعته وثبوت حجته، ما