باب الإستدراج * الأصل:
1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن عبد الله بن جندب، عن سفيان بن السمط قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إن الله إذا أراد بعبد خيرا فأذنب ذنبا أتبعه بنقمة ويذكره الاستغفار وإذا أراد بعبد شرا فأذنب ذنبا أتبعه بنعمة لينسيه الاستغفار ويتمادي بها، وهو قول الله عز وجل: (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) بالنعم عند المعاصي».
* الشرح:
قوله: (قال أبو عبد الله (عليه السلام): ان الله إذا أراد بعبد خيرا فأذنب ذنبا أتبعه بنقمة ويذكره الاستغفار - إلى آخره) العبد إذا كان خيرا صالحا مائلا إلى النجاة والسعادة وعلم الله ذلك منه فأذنب ذنبا أتبعه الله تعالى بنقمة ويلهمه أنها لأجل ذلك الذنب ويذكره الاستغفار منه ليستغفر فيغفر له، وإذا كان شريرا مائلا إلى الفساد والشقاوة وعلم الله ذلك منه فأذنب ذنبا أتبعه الله عز وجل بنغمة لتنسيه الاستغفار عنه ويتمادي في الغي والضلالة وهو قول الله عز وجل: (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) واستدراجهم بإيصال النعم إليهم عند اشتغالهم بالمعاصي والاستدراج قيل هو الاخذ على الغرة من حيث لا يعلم.
وقيل هو أن يتتابع على عبده النعم ابلاغا للحجة والعبد مقيم على الإساءة مصر على المعصية فيزداد بتواتر النعم عليه غفلة ومعصية وذهابا إلى الدرجة القصوى منها فيأخذه الله بغتة على شدة حين لا عذر له كما ترى الراقي في الدرجة فيتدرج شيئا بعد شيء حتى يصل إلى العلو فيسقط منه، وفيه تخويف للمنعم عليه بالاغترار والنسيان، وحمل ذلك على الالطاف والإحسان وتذكير له باحتمال أن يكون ذلك استدراجا ليأخذه على الغرة والشدة فوجب أن يستيقظ من سنة غفلته وينظر إلى مآل حاله ويترك انهماكه في غيه وضلاله، ويبتهل إلى الله سبحانه ويتضرع بين يدي رحمته لعل الله يرحمه ويجعل ذلك رحمة ونعمة عليه فإن الله سبحانه يمحو ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب، وإليه يرد قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «أيها الناس ليريكم الله تعالى من النعمة وجلين» يعني إذا أنعم الله عليكم في الدنيا فينبغي أن تكونوا خائفين وجلين لإمكان أن يكون ذلك ادراجا لكم في الفتنة، وقوله أيضا: «انه من وسع عليه في ذات يده فلم ير ذلك ادراجا فقد أمن مخوفا» يعني إن من وسع عليه النعمة فلم ير أن ذلك استدراج فقد أمن من الفتنة وغفل عنها